هل يؤثر الفساد المستشري وسط النخب السياسية والحكومية على أخلاق الشعب؟ نعم، إلى حد بعيد. الجواب يأتينا من دراسة أجراها أستاذا اقتصاد خلصا إلى أن الفساد لا يؤثر فقط على ازدهار الأمم وإنما يؤثر أيضا على السلوك الأخلاقي لشعوبها.
فحسب مجلة “ساينتيفيك أميريكان”، طوّر باحثان من جامعتي “ييل” بأمريكا و”نوتينهام” ببريطانيا، معيارا للفساد يوظف ثلاثة سلالم واسعة الانتشار لقياس الفساد السياسي والتهرب الضريبي والفساد في دولة ما، ليجريا بعدها تجربة على عينة من 2568 شخصا من 23 دولة.
واعتمد الباحثان على مشاركين متوسط أعمارهم 21 سنة، ما يجعلهم في سن لا يمكنهم معها التأثير في مدى سيادة القانون من خرقه، لكن قابلين للتأثر بالمعايير الاجتماعية.
طلب فريق الباحثين من المشاركين في التجربة رمي نرد مرتين، وتسجيل عدد النقاط المحصلة في الرمية الأولى فقط دون الثانية، على أن يتلقوا مبلغا من المال متناسبا مع الرقم المسجل خلال الرمية الأولى.
أما في حال وقع النرد على العدد ستة فلا يتلقون أي مبلغ. ووحدهم المشاركون كان بإمكانهم رؤية النرد، وبالتالي بوسعهم الكذب بشأن نتيجة كل رمية.
بعد تحليل أجوبة المشاركين في التجربة التي أنجزت على مراحل امتدت لثلاث سنوات (2011-2014)، لاحظ الباحثان أن المشاركين القادمين من الدول التي تسجل مستويات عالية من خرق القانون –ضمنها جورجيا وطانزانيا ووغواتيمالا وكينيا- يميلون إلى زعم تسجيل نقاط أكبر، مقارنة مع نظرائهم القادمين من الدول التي يقل فيها خرق القانون، مثل النمسا والسويد وهولندا وألمانيا. أي أنه كلما زاد حجم الفساد داخل دولة ما، نفح المشاركون في الأرقام.
وخلصا إلى أنه من الصعب تغيير البلدان التي يستشري فيها الفساد بشكل كبير لأن مواطنيها طبّعوا مع معايير اجتماعية تسمح بالفساد، معتبرين أنه عوض مكافحة الفساد باستهداف المؤسسات، يجب استهداف الفئات الشابة. “لأن تغيير المؤسسات الرسمية سيكون صعبا، لكن هذه المؤسسات تعتمد في الأخير على الناس”.