في المغرب نكاد لا نسمع صوتا للنخب السياسية والثقافية والاقتصادية. في كل الأمور الكبرى التي تهم الوطن والمواطن، هناك صمت مطبق ما عدا النزر القليل جدا. نعيش منذ ستة أشهر على وقع أكبر أزمة سياسية في مغرب ما بعد الاستقلال، فلا يعتبر المثقف المغربي أن من واجبه المشاركة في النقاش العمومي. وحدهم سياسيو الأحزاب ملأوا الدنيا ضجيجا وفق توجه مصالحهم، فيما حاول الصحافيون تعويض هذا الفراغ بالتحليل وحتى التنظير أحيانا، وتخمين العرافات في أحايين أخرى!
المغرب يعيش وضعا استثنائيا في حقل سياسي ملغوم، واقتصاد يغوص في متناقضات التخلف من جهة، والتطلع لدرجة اقتصاد صاعد من جهة أخرى، ومنظومة التربية بمستوى القرون الوسطى، وقطاع صحي غارق في الفساد…
ومع ذلك، البرامج الحوارية تستقبل مختصين في أضرار الهاتف المحمول والضغط النفسي في العمل والأطفال المتخلى عنهم…إلخ. وحدهما الاتحادي حسن طارق والبامي عبداللطيف وهبي، قاما بمبادرة جيدة عندما أصدرا كتابا يشرح للمغاربة حيثيات الفصل 47 الذي كان حديث الساعة إبان حالة « البلوكاج ». أما مثقفونا القاطنون بالخارج والمفروض فيهم أن ينهلوا من جودة النقاش في دول استقبالهم، فإما صامتون كعبداللطيف اللعبي وفؤاد العروي أو متحدثون خارج السياق كالطاهر بنجلون وليلى السليماني. الأول كل ما استطاع قوله هو سبه لمليوني مغربي لأنهم صوتوا لحزب العدالة والتنمية، وذلك لأسباب تخصه! أما الثانية، فاعتبرت المرأة المغربية غير متحررة لأنها لا تستطيع أن تدخن سيجارة أو تشرب خمرا بالشارع العام. بِئْس النخبة وبئس المثقفون.
أما النخبة السياسية، فهي الأكثر جبنا لأنها تتحرك بألف حساب. حساب الاستوزار وحساب التموقع، أي إن ما يحركها هو وازع المكاسب، لذلك تفضل الصمت والتحرك في الكواليس، وليذهب المواطن إلى الجحيم. هذا المواطن الذي يحق له أن يعرف توجه نخبته وتحليلها لمجريات الأمور لأنه يتوفر لها من المعطيات ما هو غير متاح للمواطن العادي. وأتذكر أنه بُعيد الانتخابات، أطلقت في جريدة « ليزيكو » تجربة لإشراك النخبة السياسية في نقاش عمومي حول « الانتقال الديمقراطي والتحالفات الممكنة » بعد التكليف الملكي لعبدالإله بنكيران. لم يستجب للتجربة، وقد يفاجئكم ذلك، سوى امحند العنصر وإلياس العماري، بالإضافة إلى إدريس الأزمي.
في فرنسا وأمريكا، يمكنك أن تستضيف رئيس مجموعة اقتصادية ليناقش الوضع الاقتصادي والسياسي وينتقد، كذلك، قرارات الدولة التي لا تروق له واقتراح البدائل بكل حرية. أما عندنا، فالطبقة الاقتصادية جبانة، والنخبة السياسية صامتة والمثقفون « مغلوبون على أمرهم ». فيكف تريدون نقاشا عموميا غنيا يحسّن من وعي المواطن تجاه قضاياه المصيرية؟ لذلك لا يجب الاستغراب من الاهتمام المتزايد للمغاربة بالحياة السياسية بفرنسا ومتابعتهم للنقاشات الكبرى بها.
لا تستغربوا!