على مخرج الطوارئ مكتوب "الاستقالة"

19 أبريل 2017 - 16:26

منذ إعفاء عبدالإله بنكيران من رئاسة الحكومة وتعيين سعد الدين العثماني مكانه، وقبول الثاني بكل ما كان يرفضه الأول، وما خلفه كل ذلك من ردود فعل لدى الرأي العام ومناضلي الحزب، دخل قياديون بالعدالة والتنمية في مونولوغ حزبي سياسي فظيع جدا. والمونولوغ في تعريفه المسرحي يقع حين تتحدث شخصية مع نفسها بصوت عال. وأحاول في هذا المقال كسر هذه الحوارية الذاتية شيئا قليلا، ورفع صوت الجمهور المتمرد الذي يتابع هذا العرض المهزلة…

بعض قادة وأعضاء المصباح يتحدثون عن ضرورة اتخاذ الحزب مسافة نقدية من العثماني، وآخرون من الحزب نفسه يردون عليهم، في تعاليق، بأن الأمر يستحق التفكير والتدارس. عبقرية التبرير لدى العدالة والتنمية تفتقت عن فكرة جديدة إذن، تقوم على تمطيط تجربة الفصل بين الدعوي والسياسي، لتشمل السياسي والسياسي. تيار “انهزامي” في الحكومة وتيار “متمرد” في المساندة النقدية للحكومة، أو تيار عثماني وتيار بنكيراني، منفصلان تحت راية الحزب ذاته، دون أن يقترب ذلك من انشقاق أو عبث سياسي صرف. لا،  كل ذلك في إطار “التمايز” السياسي – السياسي. هذا حل سيئ ومحاولة فاشلة لتغطية الشمس بالغربال. تغطية هواجس الانشقاق بمسكنات التمايز.

إذا كان العثماني دخل الحكومة باسم العدالة والتنمية، فهذا قرار يتطلب الشجاعة السياسية في تحمل تبعاته. أما إن كان الحزب لم يحسم بعد في كيفية التواصل بخصوص ورطته مع الرأي العام ومن صوتوا له، فأقلها ألا يخرج عليهم بحِوارياته العبثية. إذا كان الشعب بات يعي آليات اشتغال جهاز سياسي معقد اسمه “المخزن”، ويحتج عليه في الشوارع والساحات، فلن يكون من الغباوة بحيث يهضم مثل هذه التخريجات الحزبية.

ثم من غير المعقول أن تكون كافة الأحزاب تتحمل مسؤولية إذعانها لشروط وتوجيهات المخزن وفتح أبوابها مشرعة أمام جنوده ووكلائه، وحين يصل الأمر إلى “المصباح”، ينقلب الأمر إلى تدخل خارجي صفيق يريد الإطاحة بالحزب! يعني هل تم تهديد العثماني بالسجن أو القتل أو النفي أو إغلاق عيادته الطبية ومصادرة ممتلكاته إن هو لم يقبل تعويض بنكيران؟ ما هي هذه الضغوط الخطيرة التي مورست على الحزب؟

بعيدا عن مونولوغ الحزب، هناك ثلاث فرضيات تفسيرية، لازالت رائجة بقوة لدى جزء مهم من المتابعين: إما أن أعضاء بالأمانة العامة “كَوْلسو” مع المخزن (اتفقوا معه بشكل سري على تعويض بنكيران لاختلافهم مع منهجه السياسي)، وإما أن غالبية أعضاء الأمانة العامة شعروا بأن المرحلة المقبلة ستكون قاتمة حقوقيا وسياسيا وأن العدالة والتنمية سيكون كبش فدائها، فوجدوا في أدبيات التعاون والفقه الإسلامي مخارج تقيهم شرور ما تعرّض له اليسار في الماضي، وإما أن الأمر أبسط من كل ذلك ويتعلق بسحر السلطة التي لا ينجو من تأثيرها إلا أتقى الأتقياء وقليل ما هم.

وبالرجوع إلى الحزب، هناك أيضا أصوات تنادي بتقييم داخلي ينطلق من رؤية واضحة تقول، إن الحزب يتحمل المسؤولية الكاملة عن اختياراته في مواجهة الضغوط السياسية التي واجهته في تشكيل الحكومة. ومن هذا المنطلق، يكون الحزب مطالبا بتقديم تفسيرات منطقية لأسباب انقلابه على ذاته في ظرف أسبوع واحد تقريبا بعد خمسة أشهر من “الممانعة”.

إن تعامل الحزب بكل صراحة وشجاعة مع ما قرّره بمحض إرادته واختياره في تعاطيه مع نتائج – ما سمّاه ذات لحظة عزة نفس “اشتراطات” – هو وحده الكفيل بتحديد آثار هذه المرحلة السياسية على تطوّره أو انكماشه في المستقبل. وفي تقديري، يبقى الاستعداد المعلن لتسليم المفاتيح في أي لحظة والتحضير للاستقالة من هذا الخليط الحكومي المخيب للآمال، أفضل مخرج طوارئ لدى الحزب من هذه الأزمة.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي