- هل عادت الملكية التنفيذية كأسلوب حكم إلى المغرب؟
لا يحتاج الأمر إلى دليل إضافي، فقد كانت كل العوامل الضرورية متاحة لاستعادة المخزن لأسلوبه القديم، الذي نعرفه قبل 2011 كــ »ملكية تنفيذية »، لأن الأسباب التي دفعت بنظام الحكم إلى تخفيف قيوده خلال الحَرَاك الشعبي عام 2011 زالت الآن، وشرعت الملكية في تقوية نفوذها بشكل تدريجي، حتى إننا في الوقت الحالي إزاء بناء ملكية شبه مطلقة مرة جديدة. ولعب النظام لاستعادة شكله القديم كملكية تنفيذية على وسائل عدة، فالحَراك الشعبي ضَعُف، وموازين القوى في العالم العربي مالت نحو تعزيز مقدرة الأنظمة السياسية السائدة بدل دعم مطالب الناس. وفي رأيي، فقد كانت ورقة الإرهاب أكثر الوسائل التي اعتمدتها الأنظمة ذات الشكل أو العمق الاستبدادي لتعزيز شرعيتها. وفي المغرب، فإن النظام استعمل هذه الورقة لتحجيم الفرقاء السياسيين الذين خرجوا منتصرين من الحَراك الشعبي أو رابحين منه، ولذلك، كان متوقعا أن يلجأ القصر إلى تحجيم نفوذ مثل هذه الأحزاب منذ 2014 على الأقل، وما كانت تمثله حكومة عبدالإله بنكيران من مقدرة نسبية على ممارسة الحكم، أزيل بشكل تام بضربة واحدة عكستها حكومة سعد الدين العثماني. ثم سُيِّجت بالتعيينات في المؤسسات الجديدة كي تكون طريقة إدارة الحكم محمية بالمؤسسات نفسها، التي يعتقد بأنها ستحمي القانون أو الدستور. لقد كنت أقول حتى في بدايات حكومة بنكيران، إن المخزن يتعلم الدروس بسرعة، وإن ترك له الفاعلون السياسيون مساحة حرية كبيرة للحركة، فإنه سيستعيد زخمه وقد يضرب كل شيء في الصفر، وهذا ما حدث الآن، لأن القصر فعل كل ما يريده في تعيين الحكومة وباقي المؤسسات التي نصب أعضاءها في هذه الفترة، وحتى ولو كان الدستور قد جرى احترامه شكلا، إلا أن قواعد اللعبة قد تغيرت، ونحن الآن إزاء ملكية تنفيذية أو شبه مطلقة، بينما ذلك الحلم بدفع نظام الحكم إلى الاقتراب من ملكية برلمانية أو ما يشبهها تحول إلى وهم كبير.
- لكن هذه العودة إلى الملكية التنفيذية ألا تهدد بالإضرار بالملكية نفسها؟
يتوقف ذلك على حجم المقاومة لكيفية ممارسة الملكية لأداورها الجديدة وهي في موقع القوة، فموازين القوى التي انهارت عما كانت عليه قبل خمس سنوات، جعلت الملكية تخمن أن مقاومة الطرف الآخر أصبحت ضعيفة إلى معدومة تقريبا، ويظهر بالفعل أن الهيئات المؤسساتية التي يمكن أن تفرز مقاومة لبروز الملكية التنفيذية تقبع في أوضاع سيئة، فهي إما ضعيفة، أو لم تعد تملك قرارها، وحتى حزب العدالة والتنمية يوجد في وضعية صعبة إزاء التصرف مع هذا النوع من الحكم الذي كان يرفضه.
وبالنسبة إلى الملكية في حد ذاتها، فإن مصلحتها تقتضي أن تستعيد صلاحياتها جميعا، وهي تفعل ذلك بالموازاة مع دعاية ضخمة تقصف بها عقول الناس لتصوير ما تفعله وكأنه عمل طبيعي، وبالطبع، فإن الناس يتوجسون خيفة من أن يحدث لهم ما يقع في سوريا أو ليبيا أو اليمن أو حتى مصر، سيقبلون بأي نظام يحميهم من تلك العواقب. وبالنسبة إلى كثير من هؤلاء الناس، فإن الأمر يتعلق بإعادة ترتيب للأولويات، بينما فيما يتعلق بالقصر، فإن الأمر يرتبط باستعادة حق. إن النظام السياسي في المغرب لا ينظر إلى التنازلات التي قدمها منذ 2011 على أنها أمور قدرتها مصلحة البلاد، بل فقط، تكتيكات مرحلية لحماية نظام الحكم ورجالاته من أي هزة عنيفة كان يتوقع حدوثها آنذاك، ولذلك، ليس مستغربا أن تبدأ الملكية في التخلي عن فكرة التنازلات منذ 2013، وشرعت في دفع الأطراف الذين كانوا مسنودين بالحَراك الشعبي إلى الانحناء، ثم الاستسلام لعودة الصيغة القديمة من الحكم. وفي نظري، فهذه مغامرة كبيرة، لكنها محسوبة على المدى القصير فقط، لأن الانفجارات الشعبية لا تحتاج في بعض الأحيان سوى إلى فعل صغير يرتكبه موظف بسيط يعكس في تصرفه فكرة الملكية التنفيذية.
- وهل ترى أن الملكية في سعيها إلى إقرار الصيغة التنفيذية لسلطتها أيضا ستقوض أي مسعى آخر لتطوير النظام السياسي في البلاد؟
لم يعد مهمًّا الآن، ذلك الحلم بالنظام الديمقراطي أو بملكية ديمقراطية، والقصر يقدم كافة الإجراءات التي يقرها لتعزيز سلطته باعتبارها تنطوي على نفس ديمقراطي، كما حدث في بلاغ تعيين سعد الدين العثماني والتخلي عن عبدالإله بنكيران.
وفي الحقيقة، فإن أي قوس فتحه الربيع العربي وطبعته المغربية بالنسبة إلى الديمقراطيين، الذين كانوا يأملون ببزوغ حقبة جديدة في تاريخ الحكم، قد جرى إغلاقه الآن وبشدة. لقد استغرق الأمر من الملكية حوالي ثلاث سنوات لاستعادة كل ما تم التنازل عنه في ثلاث سنوات أخرى، وسيكون من الصعب نظريا أن تنقلب موازين القوى الحالية في ظرف ثلاث سنوات مستقبلا. ومع ذلك، فإن هذا الحساب يعتمد بالأساس على المؤشرات الواضحة في سلوك الفاعلين السياسيين، بينما إن وضعنا في عين الاعتبار، العوامل التي غالبا لا يمكن توقعها أو تحدث بشكل مفاجئ للجميع، فإن الملكية التنفيذية ليس لديها تاريخ محدد للصلاحية، فقد يكون شهرا وقد يكون عاما وقد يكون عقدا أو أكثر. إن اليسار الذي قد يعول عليه لقيادة مقاومة لمثل هذا الأسلوب في الحكم قد تم إضعافه، لكن الشارع في بعض المرات يوقظ وحوشا نائمة.