حكومة العثماني في مواجهة غضب الشارع وشغب النقابات

01 مايو 2017 - 01:30

ورثت حكومة سعد الدين العثماني ميراثا اجتماعيا ثقيلا، فحراك الريف مازال مستمرا، والموظفون الغاضبون من قوانين التقاعد الجديدة مازالوا ينفذون مظاهراتهم، والنقابات التي لم تحصل على أي نتائج ترضيها من قبل، تحاول الآن أن تكسب موطئ قدم جديدا. ويقول مراقبون إن ما تواجهه حكومة العثماني ليس أسوأ مما كانت تواجهه حكومة عبد الإله بنكيران عام 2012، لكن أسلوب العثماني قد يكون مختلفا.
في الريف، مازالت الاحتجاجات التي أطلقها مقتل بائع السمك، محسن فكري، بعد اقتراع 7 أكتوبر مستمرة، وفي بعض المرات، تتخذ مسارات عنيفة مثلما حدث في بلدة إيمزورن قبل شهر، حينما أحرق متظاهرون مبنى كان يقطن به أفراد القوات العمومية، ودمروا سيارات شرطة، وأصابوا أزيد من 100 شرطي بجروح. كانت أول مهمة لوزير الداخلية الجديد، عبد الوافي لفتيت، أن يطلع عن كثب على ما يحدث في الحسيمة، وقد بدلت السلطات، في ما يبدو، أسلوبها بشكل جوهري في التعاطي مع حراك الريف، فقد غيرت كافة رجالاتها هناك، وقاد والي الجهة حملة تواصلية غير مألوفة للاستماع إلى شكاوى الناس بشكل مباشر. احتجاجات الريف مرشحة لتطورات مثيرة، خاصة أن الداخلية تؤمن بشكل قاطع بوجود اتجاهات انفصالية تقف وراء الحراك، ناهيك عن وجود تراكمات من الإحباطات في المنطقة. وجنوبا، تتزايد الاحتجاجات في مدن الصحراء التي يقودها في الغالب معطلون عن العمل، أو أشخاص مهمشون. وتنطوي هذه الاحتجاجات، وإن كانت تتخذ طابعا اجتماعيا، على مخاطر من أن تتحول إلى مظاهرات سياسية تدعم مطلب الانفصال.
وقد شجع حراك الريف مناطق أخرى على الخروج للتظاهر، لكنها لم تصل إلى حدة ما يحدث في الحسيمة. وعلى سبيل المثال، فقد كاد حادث وفاة طفلة تدعى إيديا في نواحي مدينة تنغير، بسبب نقص في التجهيزات الطبية في المستشفيات المحلية، أن يتحول إلى سلسلة للاحتجاجات، لكن الشرارة سرعان ما خبت. وفي معبر باب سبتة، شرعت سلسلة من الاحتجاجات في البروز بعدما لقيت سيدتان مصرعهما في المعبر بسبب حوادث تدافع مأساوية بين حمالي السلع. وتحاول السلطات هناك تطويق الاحتجاجات بالتعهد بتنفيذ تدابير جديدة لضمان شروط أفضل لعبور الآلاف من الناس الذين يعملون كحمالين.
«ستكون أياما صعبة بالنسبة إلى هذه الحكومة»، كما يقول محمد الشيكر، وهو خبير متخصص في الاقتصاد الاجتماعي، ويوضح قائلا: «القلاقل الاجتماعية عادة ما تبرز عندما تكون البرامج الحكومية غير فعالة، أو أن الناس لا يثقون في إمكانية تنفيذ الوعود المقدمة. وفي الواقع، فإن الحكومة الجديدة لا تقدم مؤشرات على إمكانية الثقة في قدرتها على تحقيق أو تطبيق الوعود الاجتماعية». وكما أظهر البرنامج الحكومي، فإن الإجراءات التي تعهدت بها الحكومة لا تخرج عن نطاق الإجراءات التي كان معمولا بها في السابق، ولذلك يرى الشيكر أن «الحكومة لم تقدم تصورا اجتماعيا خاصا بهذه الظروف الجديدة، وقد اكتفت بالبرامج التي أطلقت خلال حكومة بنكيران، لذلك فإن التحدي يصبح أكبر». وحسب الخبير نفسه، فإن «البرنامج، بشكل عام، يخلو من عمق اجتماعي، ولا يبدو أن لديه رهانا كبيرا في هذا الصدد، لذلك، تبدو الحكومة وكأنها غير مبالية إزاء الاحتجاجات، أو ترى في تقديرها أن ما هو ظرفي يمكن معالجته بالطريقة التقليدية». وتثير هذه العملية بعض القلق، فهي «قد تدفع الناس، في نهاية المطاف، إلى جعل الاحتجاجات وسيلتهم الضرورية لإقرار طرق لتحسين حياتهم بعدما رأوا أن برنامج حكومتهم لا يتضمن إجراءات إيجابية في هذا الاتجاه». وفي المنحى نفسه، «فإن النقابات ستنتعش وسط هذه الظروف».
وبالفعل، فإن النقابات ستحاول أن تخلق لنفسها قوة ضغط جديدة، بعد سنوات من جمود الحوار الاجتماعي، حيث كانت النقابات قد أنهكت تقريبا، ولم تعد دعواتها إلى التظاهر تجد صدى كبيرا، لكن الحكومة الجديدة سعت إلى تغيير أسلوب التعامل مع النقابات، فقد تعهدت بإعادة إطلاق الحوار الاجتماعي، والتقى رئيس الحكومة رؤساء النقابات.
عبد القادر الزاير، نائب الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، كان يشعر بالانزعاج من سلوك بنكيران، لكنه يترقب «تغييرا كبيرا» في الوقت الحالي، ويقول لنا: «كان من الصعب الخروج بأي نتائج مع الحكومة الماضية، لكننا نعتقد أن الحكومة الجديدة قد تحقق بعض التقدم، وإن كان على صعيد الشكليات على الأقل». الزاير لا يبدي تفاؤلا كبيرا، رغم ذلك، فقد علمته تجربة الحكومة السابقة ألا يبني آمالا عريضة على مبادرات غير شاملة، ويقول: «كان الهدف الرئيس في ما سبق هو أن تضعف النقابات حتى لا تصبح لديها أي قدرة على الحركة، ونفذت الحكومة ما شاءت تقريبا، وسيكون من المجحف الحكم على إعلان النوايا الجيدة كما طرحه العثماني الآن، لكن على السلطات أن تعرف أن النقابات وسيط ضروري لتأطير الاحتجاجات، وإذا أُضعفت فإن النتيجة أن الدولة ستجد نفسها في مواجهة شيء غير قابل للتحديد، وسيكون من الصعب إدارة الوضع آنذاك.. هذه مخاطر يبدو أن الحكومة ترغب في احتوائها الآن».
وبهذه الكيفية، فإن التحدي الرئيس بالنسبة إلى حكومة العثماني في المجال الاجتماعي لن يكون، في الغالب، هو إقرار البرامج التي جرى تنفيذها في عهد بنكيران، مثل دعم الأرامل أو تعزيز التعويضات العائلية أو صندوق التماسك الاجتماعي، ولكنه سيكون، من دون شك، مواجهة الاحتجاجات المنفلتة من أي تأطير.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

amar منذ 6 سنوات

ومع كل هذا فهي تدور كما يدور العثماني على وقف الدعم على البوطان

التالي