ماكرون المغربي

09 مايو 2017 - 17:00

قبل أن تقفل مكاتب الاقتراع أبوابها في فرنسا، بدأ المغاربة يسألون عن الفائز في انتخابات الرئاسة، وكلما دخل زبون إلى المقهى سأل أصدقاءه عن نتيجة الاقتراع: ‘‘من.. لوبان أم ماكرون؟’’، وكأنه يسأل عن نتيجة مباراة ديربي بين ريال مدريد والبارصا… ماذا يجري؟ هل انضم المغاربة إلى كتلة المصوتين في الرئاسيات الفرنسية دون علم وزارة الداخلية في كلا البلدين؟ هل قدم إيمانويل ماكرون وعودا بالتشغيل والتطبيب والسكن والتعليم للمغاربة في برنامجه الانتخابي، حتى يتعلقوا به إلى هذه الدرجة، ويفرحوا معه في ساحة متحف اللوفر، ويتشفوا في منافسته، مارين لوبان، وكأنهم جميعا أعضاء في حركة ‘‘إلى الأمام’’، الفرنسية طبعا وليست المغربية؟

هل يبحث المغاربة عن الفرجة في السياسة بعدما افتقدوها في بلدهم؟ هل تغريهم المنافسة المفتوحة والانتخابات النزيهة بتتبع أطوار المعارك السياسية، ولو كانت تجري ما وراء البحار؟ هل عينا ماكرون الزرقاوان ووجهه الوسيم وسنه الصغير أضفت على هذه الانتخابات سحرا خاصا، ودفعت الشعوب المقهورة إلى الهجرة الافتراضية نحو فرنسا لتعيش حلاوة الديمقراطية، ومتعة تغيير السلطة والسياسات العمومية والوجوه الحاكمة بسلاسة وتحضر وأناقة، يعترف فيها الخاسر بخسارته، ويهنئ خصمه قبل أن يحتفي الفائز بالنصر، ويقول للذين لم يصوتوا له: ‘‘أنا أحترم قراركم وأتفهم غضبكم، وأعدكم بأن أعمل كل ما في جهدي لكي لا تضطروا في الانتخابات المقبلة إلى التعبير عن غضبكم بالتصويت للتطرف والكراهية’’.

أزعم أن عدد الذين تابعوا انتخابات الرئاسة الفرنسية ليلة الأحد يفوق عدد الذين تابعوا تنصيب حكومة العثماني يوم 9 أبريل المنصرم، وأزعم أن شعبية ماكرون اليوم وسط شباب الفايسبوك، وهم بالملايين، تفوق شعبية أي سياسي في المغرب، وأزعم، ثالثا، أن المغاربة ليسوا شعبا بلا شهية سياسية، وأنهم يعترضون على ما يقدم لهم من وجبات سياسية وانتخابية باردة ومخدومة، وليسوا مضربين عن الطعام، ولا عازفين عن السياسة عندما تجرى في جو تنافسي ونزيه، وحول رهانات حقيقية… الاهتمام بالسياسة، مثل مشاهدة مباراة لكرة القدم، حيث لا ترتفع حرارة المتابعة والتشجيع والمنافسة إذا كان ‘‘الماتش مبيوع’’، أو معادا، أو نتيجته معروفة، أو كان ماتش حبيا لا رهان وراءه. وللأسف، جل انتخاباتنا من هذا النوع، وحتى عندما بدأت تستقطب جمهورا أكبر، جرت معاقبة الجميع بعد إعلان نتائج اقتراع السابع من أكتوبر الماضي، ودخلنا إلى ثلاجة البلوكاج التي جمدت برودتها دماء السياسة في عروق الشعب. وبعد مضي ستة أشهر، خرجت لنا حكومة لا تشبه نتائج الاقتراع، ولهذا سخر المدونون المغاربة من «حكومة أخنوش التي يقودها العثماني»، وقالوا عن انتخابات فرنسا: «احذر يا ماكرون من أن تغلب 33% نسبة 66%، فإلى وقت قريب جرى هذا في بلد صديق لكم، وفاز صاحب 37 مقعدا (الأحرار) على صاحب 125 مقعدا (العدالة والتنمية)»!

ثلث الفرنسيين صوت لصالح لوبان، والثلث الآخر صوت لصالح ماكرون، أما الثلث الباقي فصوت لقطع الطريق على اليمين المتطرف، وليس حبا في الفتى البنكي. هكذا تظهر نتائج الاقتراع انقساما حدا يخترق جسد فرنسا العليل، لكن ديمقراطيتها صامدة، ومؤسساتها قادرة على صنع التغيير، وفتح الطريق لشاب ليبرالي بنكهة اجتماعية لدخول قصر الإليزيه، في الوقت الذي كان الجميع ينتظر صعود اليمين الفرنسي المتطرف بعد واقعة البريكسيت في بريطانيا، وغزوة ترامب في أمريكا، لكن فرنسا شيء آخر. اختارت البلاد التغلب على الخوف من الإرهاب، وعلى إغراء الشعبوية، وعلى أحلام القومية، وعلى بناء الأسوار أمام أوروبا والعولمة، وأعطى أكثر من 20 مليون مواطن فرنسي أصواتهم لشاب عمره 39 سنة، لا هو محسوب على اليمين ولا هو محسوب على اليسار… لكن، مع ذلك، لم تمر الانتخابات الفرنسية بلا خسائر، وأولاها انهيار معلمين سياسيين كبيرين لا يقلان رمزية عن «برج إيفل».. إنهما الحزبان التقليديان، الحزب الاشتراكي والحزب الدوغولي، اللذان طُردا، ولأول مرة في الجمهورية الخامسة، من عرش الإليزيه (الرئيس في فرنسا شبه ملك في نظام جمهوري).. والخسارة الثانية هي أن اليمين المتطرف، بقيادة الجبهة الوطنية، صار القوة السياسية الأولى في المعارضة، وتجاوز حاجز العشرة ملايين صوت، وأضحى يقترب من أن يصبح القوة الأولى في فرنسا في حال فشل ماكرون، الذي يعتبر خط الدفاع الأخير في وجه اليمين العنصري في بلاد الأنوار.

في عيون العالم خرجت فرنسا أقوى في الليلة الكبيرة ليوم الأحد، في انتظار تأكيد هذا النصر المفاجئ لماكرون، الذي صعد نجمه بسرعة في التشريعيات المقبلة، فليس هناك ما يمنعه من تحقيق نتائج طيبة في الانتخابات البرلمانية، فكما كان ميتران يقول: «ليس هناك من مبرر لأن يحبني الفرنسيون في ماي ويكرهوني في يونيو». في النهاية، ليس ماكرون من أتى بالتغيير، بل التغيير من حمل هذا الشاب الصغير إلى قمة السلطة في بلد كبير.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

momo منذ 6 سنوات

...أكتب تعليقك

عبد الجليل منذ 6 سنوات

كما اعتدناك سيد بوعشرين، مقالة غنية بافكار جد متماسكة و اسقاطات غاية في الدقة على الواقع السياسي المغربي

مواطن منذ 6 سنوات

شخصيا تابعت الانتخابات من الدور الأول وتأسفت كثيرا على بلدنا ومستوى السياسة ، النقاش ، التحليل الصحفي ، الكل كان رائع ومحب لوطنه. وأسفاه على بلدي

morad منذ 6 سنوات

عند هؤلاء يكفي أن تفوز بانتخابات تشريعية واحدة فتسلم لك مفاتيح الدولة لمباشرة التسيير تحت مراقبة القضاء أما عندنا بعد الإنتخابات التشريعية يتوجب على الحزي الفائز بأن يفوز بالإنتخابات الملكية وكأنه في مرحلة الإستناف بدون محامي و بدون كلام وإلا كما حصل لبنكيران (إرجاعه لتعميق البحث)

الريسوني منذ 6 سنوات

هذا هو الكلام،،، مبارة توظيف وليس انتخابات،،، تبارك الله عليك

محمد زغنون منذ 6 سنوات

قلت المفيد والخلاصة الكاملة

walid منذ 6 سنوات

مقال رائع...تحياتي !!

hammad. Fr منذ 6 سنوات

ما اراك سيدي المحترم الا و قد مست حكومة بنكيران جيبك او مدخولك الشهري عن طريق التقاعد. وأصبحت و امسيت تكره حكومة الرجل. أقول لك ان كان في المغرب مهرجين فانت اولهم و ارقاهم في التخريف و التهجم. ادكر لي وزيرا أولا واحدا اتى بقانون لصالح الضعفاء و الارامل و الزيادة في التقاعد و منح الطلبة. لهجة بنكيران حفظه الله لهجة الشعب المغربي و ليس كمن يكلمنا بالفرنسية المعوجة ليبين لنا انه من القوم المختار . هدا الرجل لم يسرق أموال الشعب و ليس له محطات بنزين اغلب أرباحها من أموال المقاصة و بالتالي أموال الشعب. استغفر مولاك و استغفر لبنكيران الدي اغتبته في أيام قلائل قبل رمضان. و دليل ما أقول فالمغرب كلما سمى رجل من رجالاته الا و ابعدوه بطريقة من طرق المخزن حتى يتوارى عن الشعب او يسافر الى الخارج كما فعلوا مع العالم المنجرة وغيره كثير و بعدها تسمو الح....

ابراهيم أقنسوس منذ 6 سنوات

السيد توفيق بوعشرين ، تحية طيبة . المغاربة عموما ، فرنسيو الهوى ، شعروا بذلك أو لم يشعروا ، للتاريخ وقعه القوي ، بالنسبة إلى المغربي فرنسا تبقى نموذجا يحتذى ، نموذج إشكالي نعم ، ولكنه نموذج ، ويبقى السؤال المركب ، لماذا لا نأخذ ما يجب ، ويصح أن نأخذه من فرنسا ، (البلوكاج ) وتداعياته ، عندنا ، هو الوجه المقابل تماما ،والنقيض تماما ، لما شهدته فرنسا في انتخاباتها الأخيرة ، فرنسا تتقدم ، لتؤكد قوة مؤسساتها ، مع قوة مشاكلها ، وبلادنا في المقابل ، تصر على الإرتباط بفرنسا ، وبالتخلف معا . غريب أمر هذا الإرتباط بفرنسا عندنا ، يعشق كبارنا ، ثقافتها ، أو لغتها ، تحديدا ، وبها يحكموننا ، ويفضل فقراؤنا ، أن يخلطوا دارجتهم ، بكلمات من قاموسها ، محرفة ، بحثا عن إكبار متوهم ، نتغزل في أناقة فرنسا ، ومؤسساتها ، وطرقاتها ، يفر كبارنا إلى العلاج في مستشفياتها ، ويدرسون أبناءهم في مدارسها ، ثم لا يبذلون أدنى مجهود من أجل اللحاق بركبها ، هل يكون قدرنا أن يعيش كبارنا ، لأنفسهم ، فرنسيين بالفعل ، ويعيش فقراؤنا ، فرنسيين بالوهم . ماذا نريد من فرنسا ، سؤال لم نجب عنه بعد .

ابراهيم ابن عبدالله منذ 6 سنوات

مصائب قوم عند قوم فوائد، هذا المثل ينطبق على الرئيس الفرنسي الجديد،من جهة الصراعات الداخلية للحزب الاشتراكي وخوف قادة الصف الاول للحزب خاصة عمدة ليل و الكاتبة الاولى للحزب سابقا مارتين أوبري من الهزيمة بسبب السياسة المتبعة من طرف فرنسوا هولند و المرفوضة من طرف الشعب، وبالتالي كل من تقدم باسم الحزب الاشتراكي سيعاقب من طرف الشعب الفرنسي الذي يصوت على الاحزاب لا على الاشخاص كشعبنا المغربي الذي يتفرج في البرلمان لكي يضحك من قهقهات بنكيران و شعبويته كأننا بجمع الفنا، أما الذي يسمو عندنا بالخطاب السياسي كالعثماني فهذا لايصلح لان البرامان في نظرهم (حامض مابقاتش فيه الفراجة). الفرنسيون شعب متحضر و يعشق القراءة حتى الجنون و بالتالي فلن يصوت إلا على من يرى على أنه أهل للثقة لا على الشعبوى و لا على المهرج بل على من يضننون أنه مؤهل لذلك لا من حيث مستواه الثقافي و كفاءته كذلك. فبعد مشاكل مرشح اليمين الدكولي فرنسوا فيون الاوفر حظا بسبب توظيف امرأته كشبح وعدم تقدم أي مرشح من القادة الكبار من الحزب الاشتراكي أصبح الطريق معبدة أمام ماكرون الذي استفادمن التصويت الانجع le vote utile. وأخيرا أتمنى أن يعي المغاربة الدرس الفرنسي جيدا و أن يعطو للسياسة معناها الحقيقي و أن مؤسسة البرمان مدرسة للخطاب السياسي الراقي، وأن التصويت يإما لتأييد سياسة من هم في الحكم وإما معاقبتهم، وأن رئيس الحكومة يجب أن يكون في مستوى المنصب كفاءة و تمكنا كذلك، لا بالتنكيت و الدارجة الحامضة

Mohamed منذ 6 سنوات

والله لقد ضحكت من دقة الوصف لوضعنا.

Kamal منذ 6 سنوات

لا أوافقك سي توفيق على المقارنة في انتخاباتنا لا نختار الحاكم ، و إنما دستوريا ، نرشح له من يشتغل تحت إمرته . و يبقى له الخيار في تحديد جلسائه في مجلسه الوزاري إذن ما المثير في مباراة توظيف تسمى، في غفلة ديمقراطية ، انتخابات

Ben M'amed Mohamed منذ 6 سنوات

أراهن على أن أي إنتخابات قادمة في المغرب لن تتجاوزنسبة المشاركة %30 بعد درس الديمقراطية الفرنسية

M.KACEMI منذ 6 سنوات

شكرا على ختم المقال بوضع الحصان قبل العربة.

مغربي حر و افتخر منذ 6 سنوات

اقسم بالله ان المغاربة اعطو الاهتمام بالانتخابات الفرنسية اكتر من تشكيل حكومة العتماني

التالي