إينياس دال: المغاربة أضحوا أكثر تطلبا إزاء من يحكمهم

16 يونيو 2017 - 10:00

في هذا الحوار، يتحدث إينياس دال، صاحب كتاب «الملوك الثلاثة»، عن علاقته بالمغرب والمغاربة، وعن الحراك في الريف، وعن الفوارق الاجتماعية التي يعيشها المغرب.

 لماذا كل هذا الاهتمام بالمغرب؟

زرت المغرب أول مرة سنة 1964، وانبهرت بمدينة فاس، كما أني كنت قد حظيت أيام الجامعة بأصدقاء مغاربة رائعين، كانوا يزورونني طيلة السنة الجامعية، وكنت أزورهم أنا أيضا في الصيف. لقد كانت هذه بالنسبة إلي بداية علاقة قوية مع المغرب والمغاربة.

كتبت أيضا عن الشرق الأوسط، ماذا يمكن أن تقول لنا عن أهم الاختلافات بين «المشرق» و«المغرب»؟

هناك ثلاثة فوارق أساسية بين المغرب والمشرق، أولا في ما يخص استعمال اللغة الفرنسية، فقد كان له دور في خلق تقارب كبير بين العديد من المغاربيين والفرنسيين، ويشكل لبنان الاستثناء الوحيد في الشرق الأوسط في هذا المجال. ثانيا هناك مسألة التاريخ، فرغم أن الشرق الأوسط تقاسمه الاستعمار الإنجليزي والفرنسي حسب اتفاقية سايكس بيكو، فإن الاستعمار الفرنسي طبع وأثر بشكل كبير في ثلاثة بلدان مغاربية أكثر مما أثر في الشرق الأوسط. وأخيرا، فإنه بفعل الحضور القوي للمغاربيين بأوروبا فإننا نجد أن ثقافتهم ونمط حياتهم حاضران أكثر بأوروبا (الطبخ مثلا). هذا في ما يخص أهم الاختلافات. أما في الجانب السياسي، فإن أوجه التشابه جلية أكثر بين «المشرق» و«المغرب» من حيث الأنظمة السلطوية الموجدة تقريبا في كل البلدان، باستثناء تونس ولبنان.

ماذا عن التطور السياسي في تونس والمغرب، ما هي أوجه التشابه أو الاختلاف بينهما؟

إذا أردنا الحديث بشكل عام عن تونس، فالمسار السياسي لهذا البلد مر من نظام سلطوي حداثي في عهد بورقيبة، إلى نظام ديكتاتوري فاسد في عهد زين العابدين بنعلي، قبل أن يتحول إلى نظام ديمقراطي لا بأس به بعد انطلاق الربيع العربي من تونس. أما المغرب، فقد انتقل من ملكية مطلقة بواجهة ديمقراطية مع فناء خلفي مظلم في عهد الحسن الثاني، إلى ملكية سلطوية أكثر انفتاحا وأقل سطوة. وإذا كانت تونس تشكل استثناء هشا في المنطقة، فذلك بفضل المستوى التعليمي الذي يتمتع به التونسيون، والذي جعل من الصعب التأثير وتوجيه ذكائهم وفق مشيئة أي كان. وما يحدث أخيرا في المغرب يدل كذلك على أن هذا البلد لم يكف عن الحركة ولم تتوقف ديناميته، فالاستعمال الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة من طرف المغاربة، وكذا اعتمادهم الكبير على مغاربة الشتات، يبرز أنهم أصبحوا شيئا فشيئا أكثر مطلبية في العلاقة مع الحاكمين ومن يدبرون شؤونهم.

لقد اشتغلت كثيرا على تراث الحسن الثاني. هل يمكن أن تخبرنا عما تراه أهم إنجازاته، والأمور التي تبدو لك إخفاقات في سياسته؟

بالنسبة إلى الأمور الإيجابية فمن أهم مزاياه هو تشييده دولة مضبوطة، وإن كان الأمر أكثر من اللازم أحيانا، حيث إن العمليات الإرهابية كانت نادرة جدا رغم وجود حركات إسلامية راديكالية لا يمكن إهمال خطورتها، وسياسة تشييده العديد من السدود هي أيضا فكرة متميزة دون شك، رغم أن الذين استفادوا منها بشكل خاص هم كبار ملاكي الأراضي.

وما يسجل كذلك للحسن الثاني هو نهجه سياسة خارجية ذكية، خصوصا بالشرق الأوسط. العرض السياحي أيضا كان قد بدأ نهجه خلال عهد الحسن الثاني، وهو يشكل رصيدا مهما جدا بالنظر إلى التراث الطبيعي والتاريخي الاستثنائي للمملكة المغربية.

أما ما يمكن اعتباره أمورا سلبية، فيمكن حصرها في تفاقم الفوارق الاجتماعية وانتشار الفساد، وهي الأمور التي تفاقمت حاليا، وكان الحسن الثاني في سياسته قد شجع ذلك. أمر آخر يهم حرية التعبير، فالصحافة كانت قد عرفت نسبيا شيئا من الحرية والدينامية بين سنتي 1995 و2005، ليتم من جديد تحنيط تلك الدينامية ووضع العدالة تحت الأوامر، وهو الأمر الذي يجعل المغرب حاليا بعيدا عن روح الدستور المعدل سنة 2011، بعد حراك عشرين فبراير.

هل لما يحدث حاليا بالريف له علاقة بسياسة الحسن الثاني؟

نعم، في جزء كبير منه هو ناتج عما ما خلفته سياسة الحسن الثاني تجاه الريف، فرغم المبادرات الجيدة التي قام بها الملك محمد السادس في بداية سنواته الأولى، فالأمر لم يكن كافيا لتجاوز الهوة التي نشأت بين المنطقة والسلطة. وكما هي العادة في المغرب، فإن التعامل القمعي الشديد يحد من أي إمكانية للحوار.

هل يعني هذا أن المصالحة مع الريف قد فشلت؟

لم تكن هناك نهائيا أي مصالحة، بل فقط سلوكات طفيفة في السنوات الأولى من أجل تحسين العلاقة.

شهدت العاصمة الرباط مسيرة يوم الأحد المنصرم كانت حاشدة، وهي الأكبر منذ بداية عهد محمد السادس، حسب العديد من المتابعين، وذلك من أجل التضامن مع الريف وللمطالبة بمطالب ديمقراطية. ما دلالات هذه المسيرة في نظرك؟

هذا يعني أن المغاربة لم ينسوا شيئا، وأنه أصبح اليوم من الصعب السخرية من الناس ومنحهم وعودا لا يطبق منها شيء.

ما هو الحل، في نظرك، لأزمة الريف؟

القضية ثقيلة جدا، وعلى النظام أن يعرف المقياس الحقيقي للأزمة. قيامه قبل أيام قليلة بمنع برنامج تبثه قناة ‘‘فرانس 24’’ بالعربية، أظهر مرة أخرى محدوديته. النظام يظن أنه من الممكن عبر الإحراج أو بالقوة وقف التظاهرات التي تعبر عن غضب الناس واستيائهم، وفي رأيي المشكل يتعدى الريف، حيث إن الفوارق الاجتماعية واحتقار المواطنين يسيران بشكل متواز. يجب أولا إطلاق سراح المعتقلين والعفو عنهم، ثم الانطلاق فورا وبشكل جدي في تنمية المنطقة. وهنا سأكرر ما يقال دائما: هل النظام لديه فقط فكرة تنمية المنطقة أم رغبة حقيقية في القيام بذلك؟

كيف تنظر إلى البلوكاج الذي امتد شهورا عديدة بعد انتخابات 7 أكتوبر؟

كان القصر دائما هو سيد اللعبة والفاعل الأول دائما، ولا يمكن أن يقبل منافسة ولو كانت شكلية. بنكيران أصبحت له شعبية كبيرة، وهذا غير مقبول بالنسبة إلى الملكية، ويبدو أن هناك من نصح الملك بالعثماني ليكون رئيسا للحكومة نظرا إلى «مرونته وتفهمه». وهناك، دون شك، رغبة في تذكير الإسلاميين، خاصة إسلاميي العدالة والتنمية وآخرين، بأن السلطة تراقب عن كثب كل من ابتعد قيد أنملة عن الإسلام الرسمي.

كيف تنظر إلى مستقبل الحكومة الحالية؟

هذه الحكومة بدأت للتو، وعلى كل حال فالقصر من يتخذ القرارات.

وإلى الوضع عموما؟

شعوري العام بأن المغرب وإن كان يتقدم على المستوى الاقتصادي، فإنه لا يبرح مكانه على المستوى الاجتماعي، كما أنه يصير شيئا فشيئا محافظا أكثر، إضافة إلى أنه لا يتسامح مع حرية الصحافة إلا استثناء، كما أن العدالة رهينة الأوامر. النظام يدير النزاعات الاجتماعية بشكل سيئ، وعندما ينظر المرء إلى إمكانيات البلد وإلى بعض نخبه يشعر بالحزن على هذا الوضع، لكن هناك دائما أمل.

زيارة رئيس فرنسا، إيمانويل ماكرون، أول يوم أمس الأربعاء للمغرب، على ماذا تدل في هذه الظروف التي يعرفها المغرب؟

ماكرون يزور المغرب لأن هذا الأخير شريك أساسي في مواجهة الإسلام الراديكالي، كما أنه تاريخيا شريك وبلد صديق.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي