بنسعيد: بلوكاج بنكيران وحكومة العثماني هيئا الظروف لعودة الاحتجاج

18 يونيو 2017 - 16:42

يعتقد ادريس بنسعيد أستاذ السوسيولوجيا بجامعة محمد الخامس الرباط٫أن سبب احتجاجات الريف هو بلوكاج بنكيران وحكومة العثماني هيئا الظروف لعودة الاحتجاج. واعتبر المتحدث ذاته بأن الفترة الطويلة التي استغرقتها أزمة تشكيل حكومة بنكيران الثانية وما واكبها من ممارسات سياسية وسلطوية، وما أسفرت عنه من حكومة فاقدة بصفة شبه كلية لأي محتوى أو مشروع سياسي واضح ومستقل، زاد في خلق الظروف الموضوعية للاحتجاج المجتمعي،

هل يمكن أن نتحدث عن جيل جديد من الاحتجاجات يعرفه المغرب حاليا؟
ما يعرفه المغرب حاليا من حركات احتجاجية لا يمكن اعتباره، في نظرنا، جيلا جديدا من الاحتجاجات، وإنما هو امتداد للحركية الجديدة التي بدأت مع 20 فبراير. نذكر بأن ذلك الحراك كان قد أفضى بسرعة إلى تفاعل في أعلى هرم السلطة وإلى إصلاح دستوري واعد ومتقدم عن كل ما سبقه. لكن الإحباط سرعان ما بدأ في التراكم بعد أن اتضح بأن الوثيقة الدستورية الجديدة لم تكن تعبيرا عن إرادة سياسية تقطع مع ممارسات الماضي، وإنما مسكِّنا ساهم في إخماد جذوة الاحتجاج، ولم تعقبه إجراءات سياسية لإعادة بناء الثقة، لا على مستوى تفعيل الدستور نفسه، أو اتخاذ إجراءات كانت مرتقبة، أو على الأقل إشارات قوية للقطع مع منظومة الفساد.
عوض أن يصالح تنزيل دستور 2011 المواطنين، خاصة الشباب منه، مع السياسة وأن يساهم في ترميم الثقة المشروخة في الدولة ومؤسساتها زاد من تعميق الهوة. كما أن الإضعاف المستمر للأحزاب السياسية ومختلف هيئات الوساطة، قد رسخ القناعة لدى الشباب خاصة، بعدم جدوى الطريق السياسي لحل الأزمات، بمختلف طرقه ومؤسساته.
لكن ما الذي أعاد هذه الاحتجاجات في الشهور القليلة الماضية تحديدا؟
أنا أعتبر بأن الفترة الطويلة التي استغرقتها أزمة تشكيل حكومة بنكيران الثانية وما واكبها من ممارسات سياسية وسلطوية، وما أسفرت عنه من حكومة فاقدة بصفة شبه كلية لأي محتوى أو مشروع سياسي واضح ومستقل، زاد في خلق الظروف الموضوعية للاحتجاج المجتمعي، بدون سقف أو أفق سياسي مسبق. بدل الحديث عن جيل جديد من الاحتجاجات، يكون من الأسلم في نظرنا الحديث عن جيل جديد من تعاطي الدولة مع الاحتجاجات، سواء بالتجاهل التام، أو بتجريب أطروحات خطيرة على النظام السياسي نفسه، كالتلويح بالتخوين والانفصال، أو بالصمت المطبق والتجاهل الإعلامي الرسمي التام.

ما الذي يميّز الاحتجاجات الشعبية الحالية عن احتجاجات الربيع العربي؟
عدة خصائص ومميزات، أولها أنها انطلقت من “الهامش”، من خارج مركز السياسة والسلطة والمال والأعمال، ولم تؤطرها أو على الأقل تتبناها وتساندها أي قوة سياسية مركزية، على عكس ما حصل بالنسبة إلى 20 فبراير، أو حدث ذلك في وقت متأخر وغير واضح (المسيرة الوطنية الأحد الماضي).
رفعت حركة الاحتجاجات الحالية شعارات تعبر عن غضب عارم من الفساد ولوبياته المحلية القوية، من الإقصاء المجالي والثقافي والاجتماعي (الحكرة)، ومن تجاهل وتبخيس الهويات والثقافات المحلية (الكرامة). العدالة الاجتماعية، محاربة الفساد والكرامة هي إذن، الشعارات القائدة التي لم يتم قط، ترجمتها إلى شعارات أو مواقف سياسية أعلى أو أعم. لا يعني ذلك أن الحركات الاحتجاجية غير ذات أفق سياسي، بقدر ما تعبر عن رفض مشروعية المجتمع السياسي بكامله، وما مواقف معظم الفروع المحلية لمعظم الأحزاب السياسية المناقض، بل والمندد، بمواقف زعاماتها الوطنية هو خير مؤشر على ذلك،
من الضروري إفساح مجال خاص للحركة الاحتجاجية في الحسيمة، ثم عموم الريف كنموذج مشخص لأهم أعطاب التعاطي السياسي للدولة والأحزاب مع الحركة الاحتجاجية. كما أن الرجوع للتاريخ المباشر للريف يسعفنا في فهم حجم كل هذا الغضب والإحباط والشعور الحاد بالتهميش السياسي والاجتماعي.
دخل الشق الديني بقوة في السلوك الاحتجاجي في الفترة الأخيرة، من خلال واقعة مسجد الحسيمة ومسجد قلعة السراغنة، ما دلالة ذلك؟
لا أرى أهمية للشق الديني في هذه الحركات، سواء في الحسيمة أو قلعة السراغنة لأن هذه الحركات لم تفصح عن انتماء ديني – حركي، ولم تستعمل تكتيكاته الدعوية أو الميدانية المعروفة. حادثة المسجد في الحسيمة هي رد على إدخال الدين في السياسة أثناء خطبة للجمعة انفرد بها الإقليم، وحادثة قلعة السراغنة هي نموذج منتشر ومعروف في العديد من المناطق لنزاع بين الإمام والسكان لأسباب غالبا ما تكون اجتماعية لا دخل للعقيدة فيها. غير أن ذلك لا يعني بأن انسداد أفق الحوار غالبا ما يكون تربة خصبة لحركات الإسلام السياسي، خاصة أكثرها تطرفا وغلوا، وهو خطر يجب أن يؤخذ بالجدية اللازمة.
ما هي قراءتك لطريقة تفاعل الدولة مع الاحتجاجات الحالية؟
يتميز تعامل الدولة مع الاحتجاجات الراهنة بكيفية شديدة الغرابة تجعلنا نطرح تساؤلات حول مدى إدراك السلطة لخطورة التأزم والاحتقان وانتشار الاحتجاج، خاصة وأنه لا يحتاج بطبيعته إلى مظلة سياسية أو إمكانيات تنظيمية خاصة.
في عالم أصبح فيه الاتصال والتواصل سمة العصر، خاصة في أوساط الشباب، تتخندق الدولة وراء صمت غريب لا تقطعه إلا بعض البلاغات حول أحداث جزئية، أو أنباء عن زيارات واجتماعات موظفين (وزراء) مع موظفين آخرين في مناطق التوتر، دون تواصل أو توضيح أو تحليل سياسي يشفي الغليل ويخفض من التوتر. تبقي الإشاعة والفيسبوك والمواقع الإلكترونية، خاصة من يبحث منها عن الإثارة، هي الحاضرة.
من ناحية ثانية، سياسة الاعتقالات وطرق التحقيق والاتهام بالتعذيب والأحكام التي صدرت لحد الآن، تبعث على القلق لأنها تنذر بأساليب وعهد اعتقد المغاربة أنه قد انتهى. أما الأمر المثير للقلق حقا، بالإضافة إلى الصمت غير المفهوم للدولة، هو ما لوحظ في مختلف المدن من غير الحسيمة في اللجوء إلى مواجهة المحتجين وترهيبهم، إلى أساليب غير مقبولة من قبيل تجنيد فئات مشبوهة لمواجهتهم.
لا يحتاج نزع فتيل الاحتجاج إلى إجراءات إدارية ومشاريع مستعجلة فقط، وإنما إلى إشارات قوية لمحاربة لوبيات الفساد، وفتح حوار جدي لتدشين جيل جديد من الإصلاحات، حتى يشعر المواطن بالعدالة الاجتماعي واسترجاع شيء من كرامته وشعوره بأنه جزء من وطن ومن أولويات دولة.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي