وصفة علاجية من صيدلية المخزن

21 يونيو 2017 - 15:04

مع التصعيد الذي عرفته أزمة الريف خلال الآونة الأخيرة، أصدرت عدة أصوات ووجوه سياسية وحقوقية وإعلامية ونقابية بيانات وتصريحات تدعو فيها إلى التهدئة والتعقل والحكمة والعودة إلى خيار الحوار، وتحث فيها المحتجين على ضبط قاموسهم النضالي بصفة أكبر، وتفادي إما تغييب أو إشهار بعد الشعارات أو الرموز التي قد تجعل المسيرات محل بعض الشبهات الضارة بالحراك ومطالبه العادلة. ثم ومع إمعان السلطة في التصعيد بعودتها إلى خطاب الانفصال والمس بسلامة الدولة والتمويلات الأجنبية والعصا والاعتقالات، خرجت مسيرة حاشدة بالعاصمة الرباط لتقول لا لهذا الخطاب ولهذه المقاربة، وتقدم مثالا مختلفا وراقيا لمعنى الوحدة واللحمة الوطنية. فما يصنع هذه اللحمة هو حمل المغاربة هم بعضهم البعض، ووعي الكل بأن الدفاع عن تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لواحدة من مناطق المغرب، يعني الدفاع عن تحسين أوضاع سائر البلاد.
فكيف يتعامل المخزن مع كل هذا؟ ما هي الوصفة التي يقدمها تفاعلا مع الحراك المستمر، ونداءات الشخصيات الحقوقية والوطنية البارزة، وموجات التضامن في ساحات الشوارع والانترنت؟ في تقديري، (وحسب المعطيات المتوافرة إلى حدود كتابة هذه السطور)، يتعامل المخزن مع هذه الاحتجاجات بالاعتماد على مقاربة تعتمد على ثلاث ركائز تسير بالتزامن مع بعضها البعض.
الركيزة الأولى، وتتمثل في قطع الطريق على إمكان إجراء أي حوار شبه مباشر بين القصر والمحتجين. هذا مطلب مرفوض. صحيح أن قنوات الوساطة تعطلّت وتهشمت تماما، لكن القصر يبدو غير مستعد لتحمل كلفتها. ثم حتى لا يعطي دخول الملك بشكل مباشر على خط الأزمة الانطباع بأننا أمام لحظة سياسية فارقة من فصيلة 20 فبراير، أو احتجاجات الربيع العربي.
في هذا السياق، يلاحظ أنه تم، في الأيام الأخيرة الماضية، فسح المجال لبعض المبادرات المدنية وبعض التعبيرات النقابية لتتولى تدبير أمر الوساطة وتلطيف الأجواء، قد تتوج تدخلاتها بإطلاق سراح المعتقلين (وهو ما نرجوه على كل حال). في مرحلة لاحقة، قد تتكلف هذه الفعاليات بإقناع المحتجين بضرورة التخلي عن مطلب محاورة الملك مباشرة، أو مبعوث خاص للملك، مقابل سقف وساطة أدنى. قد يجري إعفاء والي جهة طنجة الحسيمة تطوان أو وزير الداخلية نفسه إن لزم الأمر وتعويضهما بوزير ووال جديدين لتأكيد طي الدولة لصفحة وفتح أخرى، مع تزيين الوصفة بتكليف رئيس الحكومة بقيادة لجنة للحوار مع المحتجين.
الركيزة الثانية تتمثل في إرهاق المحتجين عبر الاعتقال والحصار الأمني ومتابعتهم بتهم ثقيلة جدا تجعل سامعها يصيح « بيك يا وليدي » من شدة الصدمة! والهدف جعل فعل الاحتجاج دائم الارتباط بكلفة نفسية واجتماعية وأسرية باهظة تظل مفتوحة على كافة الاحتمالات، شرها وخيرها، قد تسوء بسجن نافذ، وقد تُخفّف بسجن مع وقف التنفيذ أو ترفع بحكم براءة أو بقرار عفو.
الركيزة الثالثة تعتمد على تسخير الاحتجاجات نفسها لمواصلة ترتيب المشهد السياسي بالمملكة، بالنظر إلى أن الاحتجاجات باتت تتسع لمطالب سياسية أيضا. ويكون ذلك باختلاق حضن سياسي زائف لمطالب الحراك وتدعميه بريع تشغيلي غير مسبوق، قادر على حرمان الحراك من وقوده الشعبي، وفي الوقت ذاته تمكين حزب سياسي معين من عائده السياسي. فلا مجال لأن تكون الاحتجاجات مدخلا لإقرار إصلاحات سياسية، أو العودة إلى المقاربة التي انتصرت داخل دوائر الحكم في 2011. أي بإقرار موجة ثانية من الإصلاحات السياسية بمناسبة الحراك الذي تشهده البلاد في 2017.
هذه قراءة ممكنة في وصفة يرجى منها إنهاء احتقان طويل الأمد، تقوم على ثلاثة أمور وهي: عدم إعطاء الاحتجاجات أكثر مما تستحق بتحويلها إلى لحظة سياسية خاصة، إنهاك المحتجين وسندهم الأسري والاجتماعي، ورفع حصة بؤرة الاحتجاج (الحسيمة والنواحي) من كعكة الوظيفة العمومية، مع الإصرار على وضع حزب سياسي معين ورئيسه في واجهة الأحداث. هل تنجح؟ أتركُ الجوابَ للقارئ وللمستقبل غير البعيد…

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي