السحيمي: أحداث الحسيمة أضعفت جميع الفاعلين باستثناء بنكيران

25 يونيو 2017 - 20:04

يرى مصطفى السحيمي، محلل سياسي وأستاذ للقانون الدستوري، أن الأحداث التي تشهدها مدينة الحسيمة أضعفت جميع الفاعلين باستثناء عبد الاله بنكيران. وبرأي السحيمي، فإن أي عودة محتملة لبنكيران تتطلب ظروفا خاصة. فالورقة الأهم لدى بنكيران هي زعامته لحزب العدالة والتنمية، وهنا يطرح إشكال المؤتمر المقبل، الذي تأخر كثيرا عن موعده، والذي ينتظر أن ينعقد في بداية 2018.

س: هل يمكن الحديث عن عودة عبد الإله بنكيران إلى الواجهة السياسية بعد هذه الفترة من الغياب؟
ج: للإجابة عن هذا السؤال ينبغي العودة إلى الخصائص النفسية العميقة لشخصية بنكيران، حتى تكون الرؤية أكثر وضوحا حول هذه المسألة. فمنذ ظهور نتائج الانتخابات التشريعية لـ7 أكتوبر الماضي، بدا بنكيران واثقا من إعادة تعيينه على رأس الحكومة لولاية ثانية. وبالفعل، تم تعيينه يوم 10 أكتوبر من طرف الملك، مع تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة. كان حينها في الحالة النفسية التي كان عليها عبد الرحمان اليوسفي في أكتوبر 2002، فهو أيضا كان واثقا من إعادة تعيينه، لكن المقارنة يجب أن تتوقف هنا لسببين اثنين؛ أولهما أن حزب الاتحاد الاشتراكي كان قد احتل المرتبة الأولى في الانتخابات، لكن فقط بـ51 مقعدا، ومتقدما على الاستقلال بمقعد واحد، وبالتالي، فجميع الصيغ كانت واردة. أما السبب الثاني فهو مرتبط بدستور 2011، حيث أصبح الملك ملزما بتعيين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر، وبما أن حزب العدالة والتنمية رفع عدد مقاعده إلى 125، كان بديهيا أن يعاد تعيين بنكيران.

س: أي أن تراجعا وقع بعد الالتزام بهذه المقتضيات الدستورية والديمقراطية؟

ج: المشكلة هي أن بنكيران يشعر بأنه تعرّض لاستبعاد شخصي. فإذا كان حزب العدالة والتنمية قد تمكّن في النهاية من تشكيل الحكومة بعد تعيين سعد الدين العثماني، فإن بنكيران لن يقبل بهذه الوضعية، فهو لا يقبل نهائيا اختيار العثماني لأسباب تعود إلى تاريخ علاقتهما الشخصية، حيث كان العثماني قد أخذ منه منصب الأمين العام سنة 2004 في سياق خاص يرتبط بأحداث 16 ماي 2003، وحين كانت السلطة قد نزلت بكامل ثقلها لتقطع عليه الطريق. سوف يحصل بنكيران على ثأره سنة 2008، ثم بإعادة انتخابه أمينا عاما سنة 2012، لكنه الآن يعيب العثماني لتقديمه تنازلات أثناء تشكيل الأغلبية الحكومية الجديدة، خاصة قبوله التحاق حزب الاتحاد الاشتراكي. وتعبيرا منه عن غضبه من الوضعية الجديدة، استقال بنكيران من منصبه البرلماني، كما لو كان يتموقع في جبهة الرفض، ويخرج من النظام المؤسساتي بدل القبول بتقاعد صامت. لا شك أنه دخل في مرحلة غضب تجسدت في فترة غيابه لأداء العمرة، من فاتح إلى 20 ماي، عاد بعدها بتقييم جديد للوضع، فهو باقٍ على رأس قيادة حزبه، ويتمتع بدعم الهيئات والمناضلين، كما لم تتراجع شعبيته، بل إنها ارتفعت بالنظر إلى صورة الضحية التي ظهر عليها، ولأنه أصر طيلة خمسة أشهر على قول «لا» للتحكم.

س: في هذا السياق، ألم تأتِ أحداث الحسيمة لتقدم له خدمة من خلال توفير بوابة مبكرة للعودة؟

ج: لقد أبدى بنكيران كثيرا من الحذر تجاه هذا الملف، فهو لم يتخذ أي موقف، وهو ما ينطوي على دلالات كبيرة، فقد حرص على التوضيح، عبر نائبه سليمان العمراني، أنه، خلال اجتماع قادة الأغلبية الذي انعقد يوم 14 ماي، لم يمثّل سعد الدين العثماني حزب العدالة والتنمية، بل حضر كرئيس للحكومة. فما يحدث في الحسيمة منذ أسابيع يضعف جميع الفاعلين السياسيين باستثناء بنكيران. فصوت سعد الدين العثماني بدا غير مسموع، وكذلك باقي أعضاء الحكومة، بمن فيهم عزيز أخنوش الذي قدّم نفسه كرجل قوي في الحكومة الجديدة، حيث تقهقر ولم يتمكن من العودة عبر هذه الأحداث وتأكيد ريادته. الجميع وجد نفسه في مأزق، بمن فيهم الجمعيات، ومبادراتهم عديمة التأثير، وقد هوجم حزب الأصالة والمعاصرة وزعيمه إلياس العماري، الذي ضربت مصداقيته شخصيا على لسان ناصر الزفزافي وأنصاره، وكل هذا انعكس على مصداقية الحكومة. هذا الوضع يقرؤه بنكيران على أنه نتيجة للمعادلة السياسية السيئة التي أسفرت عن تشكيل حكومة 5 أبريل الحالية.

س: ما هي الأشكال التي يمكن تصوّر عودة بنكيران إلى الواجهة عبرها؟

ج: أي عودة محتملة لبنكيران تتطلب ظروفا خاصة. فالورقة الأهم لدى بنكيران هي زعامته لحزب العدالة والتنمية، وهنا يطرح إشكال المؤتمر المقبل، الذي تأخر كثيرا عن موعده، والذي ينتظر أن ينعقد في بداية 2018. هل سيتم تعديل القوانين الحالية للحزب لتمكين بنكيران من ولاية ثالثة؟ اللغة السائدة داخل المجلس الوطني للحزب تدفع أكثر فأكثر نحو هذا الخيار، والذين يعترضون عليه هم بعض الوجوه المنخرطة في حكومة العثماني، مثل الرباح والرميد وعمارة… فيما يؤيد أغلب النواب الـ125 مثل هذا التعديل. والصعوبات الحالية التي تمر منها الحكومة تعزز حظوظ التمديد لبنكيران على رأس الحزب.

س: في أي اتجاه تتوقع أن يسير كل من حزب العدالة والتنمية والحكومة وبنكيران؟

ج: هناك شك كبير، بل علامة استفهام حول هذه الحكومة بشكلها الحالي. هل يمكنها أن تصمد طيلة خمس سنوات، أي إلى غاية صيف 2021؟ فهي تواجه ملفات كبيرة وإصلاحات ثقيلة، مثل حذف المقاصة وإصلاح التقاعد والجهوية وإصلاح التعليم… فهل ستتوفر على القدرة والإرادة السياسية للقيام بكل هذا؟ ما جرى منذ شهرين في الحسيمة يقدّم الدليل على تدبير سيئ، حيث لا أحد يعرف تحديدا ما الذي ينبغي فعله، وهذا أمر مقلق.
لم يعد أكيدا أن هذه الحكومة ستحتفظ بتأييد أغلبيتها. فالفريق الأقل دعما والأبعد عن متناول العثماني، هو، للمفارقة، فريق حزب العدالة والتنمية. فهل سيعمد بنكيران إلى تهدئة اللعب إلى غاية 2021؟ لا أعتقد ذلك. وإذا كانت هناك من خطة «ب» حاليا فهي الاحتفاظ بزعامة الحزب إلى غاية نهاية 2017، وتوفير الشروط الضرورية للانتقال إلى المعارضة في 2018، وحينها سيقوم بإعادة خلط الأوراق وتصحيح الفشل الذي حصل في 15 مارس 2017، والذي حرمه من قيادة الحكومة. لكنه يبقى مجرّد خيار من بين خيارات أخرى عديدة.

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي