إعادة ابتكار الأحزاب السياسية

30 يونيو 2017 - 11:42

في كل من أوروبا والولايات المتحدة تغمر الديمقراطيات رغبة عميقة في معانقة التجديد السياسي. وأفضت هذه الرغبة في كل مكان – وتحت مسميات مختلفة- إلى تجديد كثيف للحكومات، مع صعود مواهب أنعشت الكثير من الآمال. بالمقابل لم نصادف في أي مكان أي تجديد حقيقي للأحزاب السياسية. فهي تظل في كل مكان كما كانت منذ أزيد من قرن- حتى الحديثة العهد بينها- آلات لاختيار المرشحين، ثم لتزويد المناضلين الأكثر التزاما بمناصب شغل كمساعدين للبرلمانيين أو بمكافآت متنوعة في مجال الخدمات العمومية.
ولما تأتي على ذكر السياسة، تكتفي الأحزاب بالحديث عن بضع التفاصيل وتتعارض بشكل اختزالي وانفعالي بدون أي اشتغال على مضمون ملموس. وهي لا تبحث سوى عما يصب في مصلحتها وليس في مصلحة البلاد. ولا تفكر أبدا فيما يمكن أن تقوم به معا.. لا تشكل أبدا أغلبيات قائمة على الأفكار المشتركة.
ولا يتم اعتماد النظام النسبي في الانتخابات، فلا ينتخب سوى الحزبيين الذين بنوا مسيرتهم في ظل دواوين الزعماء. ولم يتم اعتماد النظام الانتخابي الفردي، فإن المنتخبين لا يفكرون في الغالب سوى في مصلحة دوائرهم حتى وإن لم تكن تسير في مصلحة البلاد بأسرها.
لا يجب إذن أن نستغرب من كون العمل البرلماني غالبا ما يخضع لمتطلبات السلطة التنفيذية.. من كون القوانين خجولة والإصلاحات بعيدة عن انتظارات الناس. ومن هنا يمكن أن نفهم لماذا يهتم المواطنون أكثر بالانتخابات الرئاسية أكثر من الانتخابات البرلمانية.
هذا الوضع خطير جدا: أي ديمقراطية لا يمكن أن تقوم فقط، على الشرعية الشعبية للقادة مهما كانوا استثنائيين. فبدون برلمان قوي، بدون نواب محترمين وشغوفين وذوي كفاءة، دون علاقة مباشرة لكل واحد منهم مع الشعب، ستتحول الديمقراطية سريعا إلى شيء شبيه بالأنظمة الشعبوية التي يجب مبدئيا أن تنأى بنفسها عنها.
إن لب المشكل يكمن في طبيعة الأحزاب السياسية. في عالم الشبكات الاجتماعية والتشظي العام، لم تعد هذه التنظيمات التي ابتكرت في نهاية القرن الثامن عشر قادرة على لعب الدور المنوط بها: المساعدة في تشكيل توافق سياسي حول مشروع، والعمل على ضمان مراقبة صارمة وفعالة للسلطة التنفيذية.
في القرن الواحد والعشرين، وفي الديمقراطيات العميقة، لا يجب على هذه الأحزاب أن تكون مجرد آلات لاختيار المرشحين، بل يتعين عليها أن تكون نافعة ومفيدة، ولتحقيق هذه الغاية يجب عليها القيام بسبع وظائف:
1 التفكير في العالم ومد المواطنين بتصور واضح للرهانات الجيوسياسية، للقيم الجديدة، للحركات الاجتماعية، للتطورات التكنولوجية، للعلاقة التي يجب أن تربطه بالعمل وبالثقافة.
2 التفكير في البلاد، في مكانتها في العالم، في نقاط قواتها ومكامن ضعفها.
3 توضيح القيم التي يتعين الدفاع عنها.
4 بلورة مشروع مجتمعي يتوافق مع هذه القيم.
5 استخلاص برنامج سياسي جدي كفيل بإخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود.
6 مراقبة تنفيذ هذا البرنامج من طرف السلطة التنفيذية، سواء في البرلمان أو على أرض الميدان.
7 وبالخصوص، وهذه وظيفة جديدة، على الأحزاب ألا تقتصر من الآن فصاعدا على المرافعات، بل عليها الانتقال إلى مرحلة الفعل. لا يجب عليها أن تتوقف عند إثارة البطالة والسكن غير اللائق والبيروقراطية ومشاكل التعليم. لا يجب عليها من الآن فصاعدا أن تترك للمنظمات غير الحكومية مجال التحرك الملموس، بل يتعين عليها أن تصير فاعلة في التغيير المجتمعي، من خلال إجراءات ملموسة تمس القضايا الأساسية في برامجها.
بهذه الطريفة فقط ستستقطب المناضلين، ستجذب اهتمام الناخبين، ستطابق أفعالها أقوالها، ستكون نافعة ومفيدة للبلاد، ستحول دون أن يصير التجديد السياسي مجرد خدعة لشعبوية بقناع إنساني، ستجعل من الحياة السياسية ما كان يجب أن تكونه دائما: التعبير الأسمى عن الحرية البشرية.
ترجمة: مبارك مرابط عن “ليكسبريس”

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي