نحو اغتيال الفصل 133؟!

30 يونيو 2017 - 11:49

الفصل 133 من الدستور: « تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون، الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور. يحدد قانون تنظيمي شروط وإجراءات تطبيق هذا الفصل ».
إن هذا الفصل الدستوري، يختزل أهم إجراء قانوني يعطي لسمو الدستور دلالته، وللحريات وللحقوق قدسيتها، ويمنح للمواطنين سلطة فعلية لمراقبة مدى احترام المشرع لسمو الدستور.
ومن ثم يعتبر هذا الفصل مكسبا دستوريا، يحتاج إلى وضع الإطار الإجرائي له من خلال قانون تنظيمي، ورغم أن التأخر الطويل في إحالته على مجلس النواب، فإن لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب شرعت الأسبوع الماضي في مناقشة الشروط والإجراءات لتطبيق هذا الحق.
وما يحز في النفس، هو أن مناقشة هذا القانون الذي هو مكسب مهم، تتم داخل ردهات مجلس النواب في ظل صمت رهيب، لكن ما يزيد من حدة ذلك لا مبالاة المهنيين الدستوريين والمؤسسات الحقوقية، خاصة وأن هذا القانون ليس فقط، سينظم المسطرة التي ستمنح للمواطنين حق الطعن في إلغاء نص تشريعي يخالف الكتلة الدستورية أي الدستور والقوانين التنظيمية، ولكن كذلك سيشكل ضمانة أساسية لرقابة المواطن على تصرفات الجهاز التشريعي ويعيد النظر في النصوص القانونية، ذلك أن هذه المسطرة ستمنح لجميع المواطنين والأشخاص الذاتيين والمعنويين أطراف الدعاوى في المحاكم، حق الطعن في مدى دستورية كل القوانين منذ 1912 إلى يومنا هذا، بل سيمتد إلى المستقبل، مما سيساهم في صون الحريات وضمان حسن إدارة الدولة على المستوى القانوني.
غير أنه يبدو أن هذا القانون بالرغم من حجمه وأهميته، هناك محاولات للتقليص من قدرته، ومحاولة إفراغه من محتواه، من خلال عرقلة حرية وحسن استعماله.
فالنص الدستوري (الفصل133) المقر لهذا الحق جاء بصيغة المطلق، غير أن تقييده أثناء التفعيل عبر تقليد التجربة الفرنسية، يعرقل قوته الفعلية وحاجتنا القانونية إليه، خاصة وأنه بعد 60 عاما من الاستقلال وما أنتجناه من فكر قانوني ونقاش سياسي، يمنحنا القدرة على إعمال هذا الحق دون التطاول على الوحدة القانونية والأمن القانوني لوطننا، ومن ثم لا يليق بتاريخنا وبحجم تجربتنا الوطنية أن نظل تشريعيا تحت الهيمنة الفكرية والتجربة القانونية والدستورية الفرنسية، علما أن التجربة الفرنسية نقلت بدورها عن دول أوروبية هذه الإجراءات، غير أن هذه الدول الأصل نفسها تراجعت عنها والمتجسدة في خلق غرفة لتصفية الطلبات من طرف هيئة محكمة النقض قبل إحالتها على المحكمة الدستورية والتي هي أقل درجة من هذه الأخيرة، وهي أقل درجة من المحكمة الدستورية، وتصبح محكمة أدنى « محكمة النقض » هي صاحبة القرار على المحكمة الأعلى « المحكمة الدستورية »، بل تصبح الدعوى الدستورية رهينة بقرار غرفة بمحكمة النقض.
لذا، ينبغي التأكيد على أن المساس بالحقوق الدستورية للمواطنين تحت مبرر غياب الإمكانيات والوسائل البشرية، يعتبر أمرا غير مقبول، لأن الجميع يعلم أن بلادنا تزخر بأطر من مستوى عال، لسنا ندري لماذا بالضبط تعرف كل هذا التهميش.
إن إعمال الدستور مسؤولية سياسية للحكومة، لا يمكنها أن تتفنن في خلق العراقيل لمنع المواطنين من ممارسة دفاعهم عن حقوقهم بشكل مؤسساتي وقانوني، يتسم بالولوجية القانونية المطلقة، مما يعطي للدولة مدلولها العادل، ويمنح للمؤسسات دور الوساطة، ويساعد في تطوير التركيبة القانونية التي عرفت تغييرات وتعديلات، وفي بعض الأحيان انجرافات بسبب إخلالات سياسية في مرحلة ما.
لذلك ندعو الحركة الحقوقية ورجالات القانون إلى الاهتمام ومتابعة ومناقشة القانون الذي ينظم هذا الحق الدستوري، ليصدر بالشكل الأفضل ولفائدة المواطنين وحماية للمكسب الدستوري، وللمساهمة في تقنين وحسن إدارة احتجاجات المواطنين لتتم بشكل مؤسساتي وإجرائي قانوني، مما يعطي دلالة إيجابية في ممارسة حقوقهم الدستورية، وهذا سيكرس الاستقرار القانوني والسياسي الذي سيساعد في تطورنا الدستوري.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي