اللعب في الريف

06 يوليو 2017 - 14:49

احتجاجات شباب الريف لا تخلو من لعب. هذا لا يقلل من قيمتها. السياسة، في مستوى من مستوياتها، لعب (jeu politique)، حتى التدين في توسُّله الموسيقي، في صلوات المسيحيين، والمقامات الموسيقية في قراءة المسلمين للقرآن واليهود للتوراة، لعب أيضا. قيمة اللعب، في الريف، تكمن في تحويل الاحتجاج من إكراه إلى إبداع. كما يتحول التدين، مع التطريب، من إخضاع إلى إمتاع.
وعندما يتحول الاحتجاج إلى لعب جدي: قرع الصحون في سطوح المنازل (الطنطنة)، والمسيرات العائمة في الشواطئ… يكون قد حقق مكسبين: أولا، حدوث طفرة في الوعي الجمعي بالذات المتميزة، لم تستطع الدولة تحقيقها بمخططات تربوية وآلة إعلامية، وعلى امتداد سنوات. ثانيا، وجود يقظة وتوفز دائمين للانتفاض دفاعا عن هذا التميز، وإعادة إنتاج مستمرة لذلك الوعي.
هناك عامل مهم يفسر ويبرر استمرار لعبة الاحتجاجات في الريف للشهر التاسع، وهو أنها، في المجمل، احتجاجات شبيبية، في منطقة يقول إلياس العماري، ابنها ورئيس الجهة التي تتواجد فيها، إن نسبة البطالة وسط الشباب المتعلم وغير المتعلم في إقليم الحسيمة تصل إلى 90 في المائة.
إن عددا كبيرا من الشباب بدون شغل ولا أفق واضح أو مضبب حتى، بعد انحسار حلم الهجرة نحو أوروبا بسبب الأزمة واشتداد المراقبة، مع ما يصله من أرقام وتحاليل عن أن منطقته هي مصدر ثراء وسعادة مناطق أخرى، لا يمكنه إلا أن يمني النفس بالاحتجاج. فتقرير الخارجية الأمريكية –مثلا- يقول إن قيمة تصدير المغرب للحشيش، الذي يخرج أغلبه من الريف، تصل إلى 24 مليار دولار في السنة. وهو رقم لا تستفيد منه المنطقة لاعتبارين، الأول هو المراقبة الصارمة التي أصبحت أوروبا تضربها على نقل الأموال، وثانيهما ابتعاد بارونات المخدرات عن تبييض أموالهم واستثمارها في المناطق نفسها التي يمارسون فيها أنشطتهم غير المشروعة، أي الريف.
إن شبابا في هذه الوضعية من العطالة المؤطرة بوعي اقتصادي (عدم الاستفادة من عائدات تهريب الحشيش)، منفتح (إطلال المنطقة على أوروبا وحجم « الدياسبورا » الريفية في أوروبا)، وتاريخي (ملاحم الخطابي)، وثقافي (الحركة الأمازيغية) ونفسي (حكرة الدولة للريف).. هو شباب لا يمكن إلا أن يحتج ويطيل احتجاجه ويبدع فيه بالجد وباللعب.
إن الوضع في الريف، منذ تراجيدية موت محسن فكري، إلى موجة الاعتقالات، رغم كل الآلام والحسرات، فتح آمالا واسعة عبر خلخلة واستنهاض الشرط الإنساني (la condition humaine)، الذي انكفأ وارتد بعد 2011.
الآن، وبعد فشل وإفشال الإجابات الهوياتية « الإخوانية » التي أعقبت ربيع الشعوب في منطقتنا، وفشل الثورات المضادة التي خططت لها ومولتها السعودية وقطر، وفشل نموذج رد الفعل العنيف لـ »داعش »، يبقى الأمل في الشرارات الصغيرة الواعية بشرط وجودها، والتي تلتهب هنا، فتضيء هناك مستقلة، لكن غير منفصلة، بتعبير عبدالله حمودي. فـ »رُبَّ شرارةٍ ألهبت سهلا »، يقول ماو تسي تونغ.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي