تهمة "التعذيب" تستعمل من جديد ضد المغرب

18 يوليو 2017 - 22:00

بعد الجهود المضنية التي بذلها المغرب على مدى سنوات، والخطوات الكبيرة التي تحقّقت في الواجهة الحقوقية لسحب ورقة الخروقات والتجاوزات الجسيمة من يد خصوم المملكة؛ عادت تهمة التعذيب لتستعمل ضد المغرب من طرف الهيئات الحقوقية الدولية. كل من منظمة « هيومان رايتس ووتش » الأمريكية، و »منظمة العفو الدولية » البريطانية، أصدرتا بيانا حذّرتا فيه من إصدار الأحكام القضائية المرتقبة في حق متهمي « اكديم ازيك »، بناء على « اعترافات أو أقوال تُورّط متهمين آخرين تم انتزاعها تحت التعذيب أو سوء المعاملة خلال استجوابات الشرطة ». خطوة تأتي بعدما تحوّلت محاكمة « اكديم ازيك » في مرحلتها المدنية إلى مواجهة مباشرة بين المتهمين وأسر الضحايا الذين قتلوا في تلك الأحداث، وعرض تسجيلات وأدلة تؤكد وحشية ما تعرّضت له عناصر القوات العمومية أثناء تفكيك ذلك المخيم الذي أقيم قرب مدينة العيون سنة 2010.

خروج يتزامن مع عودة قوية لشبح التعذيب ليخيّم على النقاشات الحقوقية في المغرب، في إطار ملف معتقلي حراك الريف. عودة تجسّدت رسميا في تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي قال بوجود ادعاءات ذات مصداقية حول تعرّض هؤلاء المعتقلين للتعذيب، وإعلان وزير العدل محمد أوجار، صدور أوامر من النيابة العامة بإجراء 66 خبرة طبية على هؤلاء المعتقلين، بسبب ادعائهم التعرض للتعذيب. هذه الشبهة أصبحت تحيط بجلّ الملفات المرتبطة بالتظاهرات والاحتجاجات الحقوقية، وبلغت مداها بنشر الفيديو الفضيحة للقيادي الميداني للحراك، ناصر الزفزافي، والذي يظهر فيه شبه عار.

بيان المنظمتين الحقوقيتين الدوليتين، جاء استباقا لجلسة 24 يوليوز الجاري، التي يرتقب أن تصدر فيها محكمة الاستئناف بالرباط حكمها في ملف متهمي اكديم ازيك، وذلك في محاكمة ثانية بعد تلك التي جرت أمام المحكمة العسكرية. مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، سارة ليا ويتسن، قالت حسب بيان المنظمة، إن المغرب « اتخذ خطوة إيجابية لما قرّر إعادة المحاكمة في القضاء المدني، لكن مازال عليه ضمان عدم إدانة أي من المتهمين على أساس أدلة انتُزعت تحت التعذيب ». وشكّكت المنظمة الأمريكية في قيمة الخبرة الطبية التي أمرت بها محكمة الاستئناف حول مزاعم المتهمين الخاصة بالتعذيب، معتبرة أنها تمّت بعد سبع سنوات من التعذيب المزعوم، وأن جميع تقارير الأطباء الذين أجروا الخبرة، انتهت بعبارة: « الأعراض التي تظهر عليه حاليا وما لاحظناه خلال الفحص ليس خاصا بطرق التعذيب المزعومة ».

الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، قال لـ »أخبار اليوم » إن هذا الملف يندرج ضمن اختصاص القضاء، « والمحاكمة جرت في إطار مدني، وهذا واحد من المكتسبات الحقوقية الكبيرة لبلادنا، والذي أنهى محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية. ثانيا المحاكمة جرت في أطوار علنية وشفافة وتم أخذ الوقت الكافي سواء من قبل دفاع الضحايا أو المتهمين، وعرفت المحاكمة تقديم كل طرف لأدلته وحيثياته، كما تم احترام المعايير الوطنية والدولية المرتبطة بمزاعم التعذيب وغيرها، وتم احترام ضمانات المحاكمة العادلة والصرامة في ذلك »، وأضاف الخلفي أن على هذه المنظمات أن تثق في استقلالية القضاء المغربي « خاصة أن المحاكمة جرت بحضور مراقبين وهيئات دولية ولم يسجل فيها أي مس بهذه الضمانات. المنظمات تعترفان بوجود فحص طبي في مزاعم التعذيب ».

من جانبها هبة مورايف، مديرة الأبحاث في قسم شمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية، قالت إن على القضاء المغربي ألا يضيع فرصة تحقيق العدالة التي تمثلها هذه المحاكمة المدنية. « على المحكمة استبعاد تلك الاعترافات والأقوال إلا إذا استطاعت أن تبرهن أنها قُدّمت بشكل إرادي. لا يجب أن يعاقب أي متهم لأن مزاعمه بالتعرض للتعذيب لم تخضع للتحقيق لسنوات ». المسؤولة بالمنظمة الحقوقية الأمريكية، سارة ويتسن، أقرّت بحق أسر الضحايا الذين قتلوا في عملية تفكيك مخيم « أكديم ازيك »، وهم أفراد القوات العمومية الذين جرى ذبح بعضهم والتنكيل بآخرين والتمثيل بجثثهم، في الانتصاف والمطالبة بالعدالة، « لكن العدالة لن تتحقق باستخدام أدلة انتُزعت تحت التعذيب أو الإكراه »، تضيف ويتسن.

هذه التطورات تكبّد المغرب خسائر فادحة، حيث كان تجاوز التهديد الذي تمثله الورقة الحقوقية على مصالحه العليا في ملف الصحراء، قد تطلّب جهودا دبلوماسية استثنائية، خاصة مع واشنطن، حيث تضمّن البيان المشترك بين الملك محمد السادس والرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، والذي صدر من البيت الأبيض في العام 2013، فقرة يلتزم بموجبها المغرب بإلغاء المحاكم العسكرية في حق المدنيين. إجراء تحقّق بمصادقة البرلمان المغربي على مقتضيات قانونية جديدة تمنع محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري. وعلى أساس هذا التعديل، قرّرت محكمة النقض إعادة ملف اكديم ايزيك إلى المحكمة المدنية والبت فيه من جديد. خطوة قالت « هيومان راتس ووتش » و »أمنستي » إنها تجعل المغرب « متسقا مع المعايير الدولية »، لكنّها أصرت على التحذير من صدور الأحكام الجديدة بناء على اعترافات مشكوك في صحتها.

المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أصدر بدوره بلاغا قال فيه إنه يتابع التفاعلات اللاحقة لصدور تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان وردود المديرية العامة للأمن الوطني عليه، معتبرا أن ذلك يعيد إلى الواجهة إشكالية الحكامة الأمنية ومسألة معالجة ملف التعذيب بالمغرب، « رغم التوصيات الوجيهة لهيأة الإنصاف والمصالحة في هذا الباب، وبالرغم من التزامات المغرب التعاقدية ذات الصلة؛ إذ يذكر بموقفه القاضي بمراجعة الإطار القانوني للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بما يرفع عنه أية وصاية، قبلية أو بعدية، تحد من استقلاليته وتعوق ممارسته لاختصاصاته ». الجمعية قالت إن مفهوم التعذيب لا يقتصر فقط، على الألم أو التعذيب الجسدي أو العقلي الذي يصيب الشخص بهدف الحصول على معلومات أثناء الاستنطاق، « بل يشمل أيضا التخويف أو الإرغام أو المعاقبة على عمل ».

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

علال كبور منذ 6 سنوات

طبيعي انعدام الديمقراطية وفقدان الشرعية في الحكم يؤديان الى استعمال العنف للحكم والتحكم

التالي