المهدوي مثل ماركس

27 يوليو 2017 - 13:21

من تابع بعض خرجات الصحافي حميد المهدوي، ويعرف كيف تتصرف السلطة – دائما- مع الأصوات « المُبَرزِطة »، يعرف أيضا بأنها كانت تنتظره في أول منعطف. ولن يُفاجأ كثيرا لاعتقاله، كما قال خالد الجامعي، خصوصا وأن الأصوات الرافضة للتدليس الذي حدث في قانون الصحافة الجديد، بتهريب بنود العقوبات السالبة للحرية إلى القانون الجنائي وتجسير الفجوة بين القانون الخاص والقانون العام، لم تجف. وقد ظهر التدليس جليّا خلال متابعة وإدانة شباب الفايسبوك، في قضية الإشادة بمقتل السفير الروسي في أنقرة، بقانون الإرهاب بدل قانون الصحافة.

المهدوي ظاهرة صحفية بكل المقاييس. شغل السلطة وأربكها: أعجبها حينا، وأضحكها حينا، ثم أغضبها. أعجبها حين تصدَّر جوقة المشوشين على تجربة بنكيران، وساوى بين « البام » و »البيجيدي ». وأضحكها بطريقته في الإقناع؛ حيث تختلط لديه العفوية بالعاطفة بالحذلقة. ثم أغضبها عندما أظهر لها بأنه صحافي مستقل وخام، وأن جرأته تخطت الحدود، وأن « هبالو » بلا مساحيق بلاغية، يكسر القواعد المُتواضع عليها ويُسمي الأشياء بمسمياتها، وأنه إذا كان بالأمس يوجه سهامه نحو كعب بنكيران، فإنه اليوم يوجهها نحو السلطة الحقيقية في البلاد، لأن سلطة العثماني عرجاء وكعبه ينزف دما.

بعد صفة « الزميل المهدوي » التي يطلقها – ممازحة- عدد من الصحافيين على مدير موقع « بديل » لفرط تكراره عبارة « الزميل » خلال حديثه إلى أو عن صحافيين، وكأنه يؤكد- لمن يحتاجون إلى تأكيد- بأنه ينتمي إلى الجسم الصحفي، مهما بدت تحركاته ومواقفه حقوقية أو سياسية.. فإنوسياسيأول أحسن صفة تُعطى لحميد المهدوي، هي تلك التي دَرَجَ زملاؤه في موقع « بديل » على قرن اسمه بها: حميد المهدوي « ولد الشعب ».

المهدوي فعلا ابن الشعب بالمعنى الشعبي للكلمة، شأنه في ذلك شأن ناصر الزفزافي. فهو صحافي لا تزيده أضواء العاصمة إلا تذكُّرا لدوَّاره بمنطقة الغرب، والتحاما بفقرائهِ، وتمثلا لقيم البداوة، بسلبياتها وإيجابياتها؛ فهو العاطفي الذي يبكي وينفعل حتى وهو يفكر ويحلل. وهو المتضامن الذي يخلط بانسجام بين الصحافي والمحتج، ويقطع مئات الكيلومترات للذهاب إلى الحسيمة وإعلان انحيازه التام للحراك. وهو زعيم « الجْماعة » الذي شكل مجموعة فيها الحقوقي والإعلامي، يقودها حيثما حلّ وارتحل. يخطب في النساء والأطفال فتقابل خطبه بالتصفيق والزغاريد، وعندما لا يُرفع على الأكتاف في الحسيمة يحتج ويعتبر ذلك مؤامرة من الانفصاليين. خلاصة القول، هو « مفردٌ بصيغة الجمع »، بتعبير أدونيس.

عندما نشرت الصحافة خبرا عن أن أحد المحامين زار المهدوي، ساعات بعد اعتقاله، بكوميسارية الحسيمة، فوجده يخطب في الموقوفين وفي رجال الأمن، تذكرت نكتة عن كارل ماركس الذي أدخل، يوم البعث، إلى جهنم فبدأ يُعبئ نزلاءها ضد ظروف « التعذيب » المزرية، قبل أن ينتقل إلى تحريض خَزنتها نقابيا ودعوتهم إلى الاحتجاج.

أطلقوا سراح المهدوي فهو مثل ماركس، أينما حل يناضل ويحتج. وارفعوا أيديكم عن السياسة والصحافة، وإلا فإن آلاف الزفزافي والمهدوي بانتظاركم.

 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي