هل يقوم الملك بخطوات أخرى؟

30 يوليو 2017 - 14:05

في أول حوار له، وكان في يونيو 2000 مع مجلة ” Time” الأمريكية، قال الملك محمد السادس، جوابا عن سؤال للصحافي Scott MacLeod: ما هي وصايا والدك إليك؟ “أن تحكم فهو ليس إرضاءً لأحد. هذا ما اعتاد والدي أن يقوله. سيكون عليك اتخاذ قرارات لن ترضيك أنت ولا الناس، ولكنها ستكون في مصلحة البلد”.

وبالفعل، فما سيتخذه محمد السادس من قرارات، وما سيقدم عليه نظامه من خطوات طيلة 18 عاما من حكمه، سيقابل بعضها بانزعاج ورفض من طرف التقليدانيين، كما لم ينظر الحداثيون والديمقراطيون والممانعون بعين الرضا إلى بعضها الآخر. بل حتى الملك نفسه عبر عن استيائه من الخروقات السافرة لحقوق الإنسان التي شابت التوقيفات والاستنطاقات والمحاكمات التي أعقبت تفجيرات الدار البيضاء في 2003.

جاء حوار ” Time” بعد سبعة أشهر من إعفاء إدريس البصري، إرث محمد السادس من والده، في نونبر 1999. كما جاء (الحوار) في خضم إطلاق دينامية العدالة الانتقالية التي تسارع النقاش حولها مع تأسيس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، أشهرا قبل إعفاء البصري، ولا زالت صورة إدريس بنزكري محتجا على حفل توديع عبد الرحمان اليوسفي للبصري شاهدة على ذلك.

انعقدت آمال كثيرة وأوهام أكثر على أن المغرب سيتحول جذريا نحو الديمقراطية، وكانت ثمة مؤشرات كما كانت هناك سرابات: القصر اختار شق مسار جديد مع خصوم الأمس، وقرر القفز على مرحلة الحسن الثاني بكاملها، والعودة إلى الخصوصية المغربية المتناقضة بانسجام، والتي ترسخت خلال مرحلة الكفاح الوطني وبداية الاستقلال، والقائمة على بناء علاقة فريدة بين الاشتراكيين وحتى الشيوعيين، وبين الملكية. وقد قال الفقيه البصري للملك محمد السادس عندما استقبله: اتبع مسار جدك وليس والدك.

أعطى الاقتراب الثاني بين الملكية والديمقراطيين (اليسار) أمورا مهمة: مدونة الأسرة التي عرض الملك خطوطها العريضة في خطابه أمام البرلمان في أكتوبر 2003، والتي اعتبرت انحيازا وتفاعلا ملكيا مع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية التي جاءت بها حكومة اليوسفي في 1999 ورفضها الإسلاميون، وتقرير هيئة الإنصاف والمصالحة التي أحدثت بقرار ملكي في 2004، وصولا إلى خطاب 9 مارس 2011 الذي أعاد إحياء عبارة الخصوصية المغربية، بصيغة التغيير في ظل الاستمرارية، حيث مد الملك يده للإسلاميين لتنطلق تجربة استمرت حتى بعد أن انكسرت مثيلتها في مصر وكادت في تونس..

لكن تحت هذا الجسر الذي أعاد الوصل بين الملكية والديمقراطيين، جرت مياه عكرة وأحداث سوداء، أبرزها عدم تكليف عبد الرحمان اليوسفي بتشكيل الحكومة في 2002، ثم الطريقة الفظيعة التي تصرفت بها السلطات مع المعتقلين على ذمة أحداث 16 ماي الإرهابية في 2003، والحكم الصادر في حق الصحافي علي المرابط بمنعه من الكتابة لمدة 10 سنوات، في 2005 (وهو حكم غير مسبوق في العالم). مرورا بخلق حزب الأصالة والمعاصرة، الذي شبهه العديدون بجبهة أوفقير واكديرة “الفديك” في 1963، والتي خلفت انطباعا لدى أحزاب الحركة الوطنية- الديمقراطية، آنئذ، بأن القصر خرج لمواجهتها سياسيا وانتخابيا. ثم انتهاءً بـ”المحاولات الانقلابية” على نتائج انتخابات 7 أكتوبر 2016، والتي اشتعلت في خضمها شرارة حراك الريف بالموت التراجيدي لبائع السمك محسن فكري، يوم 28 أكتوبر، أي بعد 20 يوما على مؤامرة 8 أكتوبر بزعامة إلياس العماري في بيت إدريس لشكر.

“سيكون عليك اتخاذ قرارات لن ترضيك أنت ولا الناس، ولكنها ستكون في مصلحة البلد”، هكذا أوصى الملك الراحل ابنه وخليفته. فهل يمكن أن نشهد في خطاب العرش قرارا بالعفو عن معتقلي حراك الريف، لن يرضي المحافظين أصحاب نظرية “هيبة الدولة”؟ وهل يمكن أن تستتبعه خطوات تعيدنا إلى لحظة فبراير ومارس 2011، حتى يكون طموحنا واقعيا. أما الخطوة الكبرى إلى الأمام، أي الملكية البرلمانية، فتحتاج إلى قوى ديمقراطية، هي الآن في حالة استرخاء وسبات شتوي. 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي