لغة النقد المزدوج

25 أغسطس 2017 - 11:43

يرصد هذا المقال مضمون ما ورد في خطابين سياسيين لم تفصل بينهما إلا أيام قليلة: خطاب العاهل المغربي، الموجه إلى المغاربة قاطبة، بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لتوليه مقاليد الحكم )1999-2017(، وكلمة رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، في افتتاح الملتقى الثالث عشر لشبيبة حزبه، الملتئم مساء الأحد 06 غشت 2017.

انصب خطاب العاهل المغربي، في مجمل مقاطعه، على نقد النخبة الحزبية، وضعف أدائها في القيام بوظائفها في المجالات التمثيلية والوساطة وصنع السياسات العمومية، وقد وضع، دون تمييز، كل الأحزاب في سلة واحدة، وبلغة صارمة أبان مواطن ضعفها وتقصيرها في الوفاء بالأمانة الملقاة على عاتقها. وفي المقابل، كان رد بنكيران في كلمته بأن الخطاب كان «قاسيا على الأحزاب السياسية والإدارة، والمرضى النفسيون هم من ابتهجوا به». وفي السياق نفسه، تساءل قائلا: «لو كان حزبنا هو المسيّر لجهة الريف، موطن القلاقل، وليس حزب الأصالة والمعاصرة، فكيف كان سيتم التعامل مع العدالة والتنمية؟ أضيفوا من عندكم». مما يُفهم من كلامه أن الدولة كانت ستحاسب حزبه، في الوقت الذي غطت على غريمه، حزب «الأصالة والمعاصرة»، المتهم بكونه «حزب الدولة»، أو على الأقل من «صنع الدولة».

فُهم من الخطاب الملكي أن نقده النخبة الحزبية، وعدم تمييزه بداخلها بين حزب وآخر، أو بين نمط من الأحزاب وأنماط أخرى، على أنه محاسبة لتجربة «الإسلاميين»، وإقرار بضعف أدائهم، بل ذهبت بعض «التحليلات» إلى توقع إقدام الملك على إجراءات عميقة في المشهد السياسي قريباً، بل صرح بعضُ «قارئي الكفّ» في السياسة باحتمال إقالة الحكومة المنبثقة بشكل متأخر عن اقتراح 07 أكتوبر 2016 بأخرى، نُعتت بـ«حكومة وحدة وطنية»، وكأننا في حالة حرب، وقد أكد خطاب 20 غشت الأخير أن «منجمي» الحياة السياسية في المغرب من لفيف «المحللين السياسيين»، الذين ابتلي بهم الفضاء العمومي السمعي البصري، لا يعرفون الواقع المغربي المركب، وليست لهم المؤهلات لمعرفته وفهم تعقيداته. لذلك، أشار الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أمام ملتقى شبيبته، إلى تأخير تشكيل الحكومة وفقا لأحكام الدستور )ف.47(، وإقصائه من ترؤسها، على الرغم من تشبث الحزب بشخصه، والبحث عن بديل عنه من داخل الحزب، أي نائبه سعد الدين العثماني، ليصرح بوضوح بأن «مسار تشكيل الحكومة بعد 07 أكتوبر عرف لعبا وتلاعبا من أجل منعه من تشكيل الحكومة»، مضيفاً أنه «علم أن قرار تشكيل الحكومة بأغلبية وأحزاب معينة تم اتخاذه منذ مدة، غير أنهم ناوروا لمدة خمسة أشهر من أجل منعه من تشكيل الحكومة».

ماذا نستنتج من نص الخطاب الملكي وكلمة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية؟ وما علاقة ما ورد فيهما بما قد يعرفه المشهد السياسي من تطورات؟

هناك، في الواقع، مقاربتان للأزمة التي يشهدها المغرب، والتي عبر عنها حراك جهة الريف، ومدينة الحسيمة تحديدا، منذ أكثر من ثمانية أو تسعة أشهر. مقاربة السلطة العليا في البلاد، التي أرجعت مصدر الأزمة إلى مقاومة الإصلاح والتغيير، وضعف النخبة السياسية، وعجزها عن تحمل مسؤوليتها في تحقيق التنمية الرفاهية. وهناك وجهة نظر الأمين العام للحزب المتصدر للانتخابات للمرة الثانية، أي العدالة والتنمية، والتي تُرجع مصدر ما حصل إلى الأحزاب المتحالفة الأربعة، ومن ورائها ما سمته بـ«التحكم»، في إشارة إلى القوى المتغلغلة في دواليب الدولة والسلطة.

يمكن، من منظور استراتيجية الدولة ومتطلبات السلطة، قبول مقاربة السلطة العليا، وانتظار الحكم على الأقوال بالأفعال على المديين القريب والمتوسط، لكن ما يتعذر فهمه هو مقاربة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الذي أدار السياسات العمومية خمس سنوات، وبعدها عاد لينتقد ما كان عليه أن ينتقده حين كان في قلب صنع السياسات.. إنه يذكرنا، مع فارق جوهري، بما قاله عبد الرحمن اليوسفي، شفاه الله، في ندوة «بروكسيل» بعد مغادرته السياسة.. غريب أمر النخبة المغربية!

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي