الدولة والإعلام المارق!

04 سبتمبر 2017 - 15:00

هل الدولة المغربية بحاجة إلى إعلام أجنبي مارق ومرتزق ليكتب تحت الطلب؟

بالتأكيد لا، لأن أفضل من يكتب عن المغرب هم المغاربة، وأحسن ما ينقل عن بلادنا هو ما يحرره أبناء جلدته بالحب والافتخار بالانتماء، وهذا لا يعني النفاق والمهادنة. هناك أسلوب معترف به عالميا من لدن كبريات وكالات التواصل وتلميع الصورة عبر العالم، يرتكز على مستويين في التعامل مع الصحافة.

استغلال تصادم الأفكار وتعارض المعالجة الصحافية بالنسبة إلى مستوى القضايا الداخلية. فهذا يعطي صورة راقية عن البلد من خلال مستوى حرية التعبير وتنوع التعبيرات والانفتاح على نقاش الأفكار. هذا يعطي الانطباع، كذلك، عن قوة النظام الذي لا يزعجه هذا التنوع، بل يعمل على تشجيعه ودعمه. في المستوى الثاني، يوصي المختصون بخلق نوع من التعبئة حول القضايا الكبرى للبلد وهي قضايا ببعد وطني تشير إلى لحمة المجتمع بمواطنيه وإعلامه وسياسييه.

بالنسبة إلى المغرب، فهو ليس بحاجة إلى إعلام على شاكلة مجلة «جون أفريك»، التي يعتقد رئيس تحريرها أن نفوذه يتجاوز سلطات رئيس الحكومة. المغرب ليس جمهورية موز، هو دولة مؤسسات بمشاكله واختلالاته، يستطيع مناقشة كل إشكالاته دونما حاجة إلى وكالة من منشور خارجي كيفما كان. فالعالم صار قرية صغيرة والرباط تعج بمراسلي كبريات الوكالات والصحف العالمية، لذلك صار الاعتماد على منشور تجاري في تمرير الرسائل أو تلميع الصورة أسلوبا متجاوزا، إذ يكفي مقال واحد أو اثنان معاكسان من جريدتين عالميتين لجعل أطروحات المنشور إياه مجرد مزحة «بايخة». ثم إن أفضل وسيلة للدولة المغربية في تسويق صورتها هو أن تسير قدما في تحصين الإعلام المهني من الشوائب وأن توسع هامش حريته وتعزز استقلاليته. وهنا أتذكر عندما اندلعت الأزمة مع السويد وانتقلت إلى استوكهولم لألتقي مديري كبريات الصحف السويدية وأبادلهم الحديث حول ما يعرفونه عن المغرب، وخصوصا عن قضية الصحراء. فأول شيء يركزون عليه هو هل الجريدة، التي أمثل، مستقلة عن السلطة الحكومية حتى في التوجه التحريري، وقد اكتشفت من خلال الحديث أنهم يتصفحون الموقع الرسمي للجريدة ويطلعون على مواده. مدير أكبر يومية سويدية قال لي حينها مباشرة ما مفاده إنه لو وجد أن الخط التحريري للجريدة «مواليا وغير مهني» لما استقبلني. وأتذكر أنه لما سلمته كتابا بالإنجليزية عن «16 سنة من حكم محمد السادس»، قال لي هل سأجد انتقادات في الكتاب أم مجرد إنجازات، فقلت له تصفح الأبواب الخاصة بالصحة والتعليم والعدالة والحكم. وعندما وصلنا إلى قضية الصحراء عدت به لقرنين من الزمن خلت ووضعت أمامه خارطة لما كانت المملكة المغربية تمتد حتى السنغال وتضم أطرافا كبرى من الصحراء الجزائرية. ليس المهم أن يكون الرجل قد اقتنع، لكن فكرتي كانت هي أنه لو استطعت زعزعة اقتناعاته الموالية للبوليساريو ولو بنسبة عشرة في المائة، فإن زيارتي تكون قد نجحت. وكنت على يقين بأن النسبة تزيد على ذلك ومدير الجريدة يوقع اتفاق تعاون وتبادل مواد التحرير بين صحيفتينا، كانت من نتائجه نشر مقال لي ينسف مواقف البوليساريو تُرجم إلى السويدية ونشر بموقع الجريدة. ولا أشك أن زملاء آخرين قد قاموا بمبادرات مماثلة هنا وهناك، وفي صحف عالمية، دون أن يطلب منهم أحد ذلك، اقتناعا بالقضية الوطنية.

لذلك على الصدور أن تتسع للنقد الذاتي لأنه نابع من الجوارح، ولأنه لا يقايض بالأموال كما تفعل الأقلام المرتزقة التي تبتز الدولة. فهاته الأخيرة لُدغت من جحر الإعلام المارق الذي لا يشبع وعندما يصطدم بأدنى معارضة أو رفض يخرج الأنياب ومعاول الهدم، كما حصل مؤخراً. لذلك لا يجب التعويل على هكذا إعلام لتلميع الصورة، فأصدق وسيلة هي الشفافية وعدم الخجل من قضايانا الداخلية، التي توجد في مختلف دول العالم بتفاوت، فلا نريد التطبيع معها ولا التهويل والنفخ فيها.

نحن، الإعلام المغربي، من لدينا الشرعية في نقل حقيقتنا والدفاع عن حقوقنا والدود عن مصالحنا العليا وليس أولئك الذين يكتبون بالدولار واليورو.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي