المغرب.. إلى أين؟

22 سبتمبر 2017 - 13:07

يُدرك الكثير منا أن الصورة المتداولة عن المغرب خارج ربوعه أنه بلد مستقر، آمن، ومتطلع إلى المستقبل بمشاريعه وطموحاته، وأنه، مقارنة مع عديد البلاد العربية، تمكن من التكيف مع سياق «الحراك العربي»، وأنجز الإصلاحات الضرورية والمطلوبة، والواقع أنها صورة سليمة وصحيحة إلى حد بعيد. غير أن هذا كله لم يُقنع ولن يُقنع المتابعين لتطورات الحياة السياسية في المغرب بأن المغاربة انتقلوا ديمقراطيا، وأنجزوا كل متطلبات الانتقال، وأنهم بصدد توطيد نواتج هذا الانتقال ومكاسبه.. ولعل القارئ الكريم يعرف تمام المعرفة أن دليل إنهاء الانتقال والمرور إلى التوطيد، يشترط وجوبا حصول توافق لا رجعة فيه حول الإطار العام اللازم لاستقرار الممارسة الديمقراطية وانتظامها، والتزام الفاعلين السياسيين بها وعدم خذلانها، أو التنكر لها والانقلاب عليها.

لا نستطيع، بمقاييس نظريات الانتقال الديمقراطي، الحديث عن حصول انتقال ديمقراطي في المغرب، بصورة متكاملة  وشاملة ونهائية.. فالمغرب مازال في منطقة رمادية، ويحتاج إلى جهود جماعية جريئة ومخلصة لإنهاء سيرورة الانتقال باقتدار وصدقية. أما الشاهد على هذا الحكم فتدل عليه حالة الانتظار والترقب والارتباك التي تسم المجال السياسي، وتضغط على كافة مكوناته. لنُنصت إلى أحاديث الناس، ولغتهم المتداولة يوميا، ولنمعن النظر في أداء المؤسسات المسؤولة دستوريا عن صنع السياسات المطلوب فيها أن تكون نافعة للجميع، ولنحلل العلاقات البينية للأحزاب والمنظمات السياسية الملزمة بموجب القانون بتأطير المواطنين وتمثيلهم.. إن القيام بهذا التمرين في كل هذه الاتجاهات والزوايا، كفيل بأن  يستدعينا ويُجبرنا على طرح سؤال: إلى أين يسير المغرب؟  ونحو أي ضفة أو ضفاف ستتجه مركبته؟

لنُعد مرة أخرى قراءة خطاب عيد العرش (2017)، ونُمعن بعمق في دلالاته، ونتساءل عن أبعاده ومقاصده. لاشك أننا سنخلص إلى أن ثمة فجوة كبيرة وعميقة في الحياة السياسية المغربية، وأن استمرارها سيُضعف أرصدة قوة المغرب، ويجعل انتقاله إلى الديمقراطية مستعصيا وبعيد المنال. ففي الخطاب درجة عالية من النقد لأداء النخبة، ومحدودية وفائها بالالتزامات التي في ذمتها تجاه المواطنين، على المستويين المحلي والوطني. ثم إن هذا النقد، وبالحدة التي طبعته في متن الخطاب، قد يدعو إلى أكثر من تساؤل واستفهام، حول الأدوار التي بقيت للنخب الحالية؟ وكيف ستكون أجوبتها ما بعد الخطاب الملكي؟ وما الذي سيقدم عليه ملك البلاد تطبيقا للصلاحيات المخولة له في نص الدستور، لإعادة التوازن في مثل هذه الأوضاع؟

فإذا كانت النخبة السياسية في عمومها موسومة بالضعف، وعدم القدرة على الاجتهاد الخلاق في تدبير شؤون المواطنين، وأن آفة الفساد نخرت الكثير من مكوناتها، وأنها بالنتيجة غير صالحة لأن تكون تعبيرا عن تطلعات الناس ووسيطا بين المجتمع والدولة، فمن سيقوم بدور الوساطة إذن؟ فهل يُفهم من هذا يجب إعادة بناء النخبة؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، كيف؟ ومتى؟ وهل هذا ممكن في الزمن المنظور؟ لأن النخبة التي تحدث عنها الخطاب بصيغة الجمع، هي محصلة تطور تاريخي امتد على أكثر من سبعة عقود، أي منذ تأسيس «الحزب الوطني» عام 1937، قبل أن ينشق ويظهر حزب الاستقلال لاحقا.

فهكذا، يدفعنا سؤال النخبة دفعا إلى سؤال المؤسسات  الدستورية، وتحديدا البرلمان والحكومة، ما يعني أن هذه الأخيرة لم تعد بدورها قادرة على الفعل والإنجاز لأنها صورة  معبرة عن نخبتها، وما يسري على هذه الأخيرة يسري عليها.. فهل معنى هذا يجب التفكير في منهجية أخرى لرفع أداء المؤسسات، وجعلها قادرة على صنع السياسات الفعالة والناجعة؟ وبصيغة أوضح هل الانتخابات التشريعية التي أفرزت لنا هذه النخبة، وساهمت تاليا في تكوين الحكومة المنبثقة عنها، وفقا للفصل 47 من الدستور، لم تعد ذات جدوى؟ لا تبدو مثل هذه الأسئلة عملية ولا مجدية، ما يبدو ضروريا هو الاجتهاد الخلاق من أجل الخروج من الصندوق، واعتماد الجرأة والشجاعة الكافيتين لمساءلة أنفسنا جميعا وحثها على الانطلاق بإرادة، من أجل استكمال البناء الديمقراطي وتوطيده.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي