فضيحة بؤس عربي

25 سبتمبر 2017 - 14:37

في دهاليز مقر الأمم المتحدة بنيويورك حركة غير عادية، الكل ينتظر وصول رئيس أقوى دولة في العالم، دونالد ترامب. هذا التمرين الأول لرجل مزاجي بامتياز، ولا يمكن لأحد أن يتوقع ما سيصرح به، كان محط ترقب كبير. فلم يخب ظن الجميع، إذ من حيث الشكل لم يحترم ترامب المقتضيات التنظيمية للجمعية العمومية، والمحدد توقيت التدخلات بـ 15 دقيقة، فيما أخذ الرجل راحته في الكلام بخطاب مرتجل فاقت مدته 40 دقيقة. في الجوهر، لم يعر ترامب أي اهتمام بالخطاب الدبلوماسي وصار يوزع التهديدات بتدمير دول ومهاجمة أخرى، لتكون الرسالة واضحة للعالم بأسره. لقد انتهى زمن « الهوان » الأمريكي أيام أوباما وحان وقت التشدد والهيمنة، وإن كان الثمن دخول حروب مدمرة تؤدي ثمنها دول بالوكالة، هي بالأساس دول عربية.

بالنسبة إلى العرب، فقد كانوا مرة أخرى الحلقة الأضعف. ففي حين كانت تدخلات العديد من قادة دول العالم تتحدث عن التنمية المستدامة وتجويد منظومة التربية، والاستفادة من الطاقات المتجددة، وتحديات المناخ، ومستقبل الثروات الطبيعية والحلول البديلة، كان العرب ينصبون لبعضهم الفخاخ ويمارسون الوشاية ضد بعضهم البعض، ويستعملون عبارات حربية لوصف بعضهم، والعالم يتفرج على هذا البوس غير المسبوق. في الوقت نفسه، كان رئيس الكيان الصهيوني يمارس هوايته المفضلة في الاتصال برؤساء الدول ليشكوهم « همجية وإرهاب العرب »، كما ذكرت صحف أمريكية، ليستجدي المزيد من التعاطف مع أنه لم يعد بحاجة إلى ذلك. فلقد انصرف العرب لتدمير بعضهم البعض في عملية كسر عظام لن تبقي ولن تذر. فدول مجلس التعاون الخليجي انشغلت في كلماتها الرسمية بتوجيه أصابع الاتهام لبعضها بخصوص التدخل في شؤون الدول ودعم الإرهاب. ولعل مندوبي دول العالم الذين كانوا ينصتون لهم، خرجوا بخلاصة مفادها، أن كل تلك الدول داعمة للإرهاب تكرس المقولة المغربية الشهيرة: « ماشافوهمش كيسرقو شافوهم كيقسمو »!

مسؤولو دول الخليج كان همهم هو إقناع عرابهم الكبير، دونالد ترامب، كل بوجهة نظره، فيما الرجل يسمع كل طرف ما يريد سماعه، وبالمقابل يطلب المزيد من المال تحت الطاولة، وفي قرارة نفسه يقول مرحباً بهكذا أزمة، ويا ليت أخرى مثلها تتفرخ هنا وهناك. العرب واصلوا مسلسل الرداءة بتكريس صورة الأمة الممزقة بين أنظمة فاسدة ترشي أقوياء العالم لتحافظ على كرسيها، ولا يهم كم التنازلات من أجل ذلك، ولا تمريغ كرامة بلدانهم في التراب، وبين رؤساء دمروا نصف بلدانهم وأعادوها إلى القرون الوسطى، همهم فقط، الحفاظ على منصب رئاسة لم تعد سومته تبلغ أكثر من قيمة الكرسي الذي يجلس عليه، ولعل أبرز نموذج هو سوريا واليمن.

وفود العالم تابعوا بغير قليل من الشفقة سلسلة استجداء السلم بليبيا والعراق وسوريا واليمن، ولم تسمع ولا كلمة واحدة لما يصطلح عليه بجامعة الدول العربية التي غابت عن الاجتماعات الجانبية، التي نظمتها العديد من المنظمات غير الحكومية الدولية في القاعات الجانبية لمقر الأمم المتحدة. المناوشات العربية/ العربية تواصلت بتحركات المغرب والجزائر في الكواليس بخصوص موضوع الصحراء، لتزيد الشرخ العربي اتساعا، ولتغذي السمعة السيئة لعالم عربي لم يعد يحمل من اسم العالم والأمة سوى اسم مُفترى عليه. وزاد في الطين بلة زلة لسان رئيس مصر الذي قال: « إن مصر تصر على أمن وسلم إسرائيل ومواطنيها.. »، مسقطا على الشعب المصري أي علاقة بالموضوع!

هذا هو حال العرب في خارطة العالم، وهذا ما جعل قادتها  يكرسون في مخيلة الكون أن الدول العربية، إما دول فقيرة مصدرة للمآسي والإرهاب، وإما دول غنية غير مسؤولة، ولا تدري ما تفعل بثروة تتحكم فيها « كمشة » من الأمراء دون أي توزيع عادل للثروة، ولا لربط المسؤولية بالمحاسبة، ودول غارقة في التخلف والديكتاتورية.

صورة سوداوية جد مسيئة، لكن هذا ما جناه على العرب « كمشة » حكام يتخذون مواقف مزاجية، دون الرجوع إلى الهيئات الممثلة للشعوب، لأنهم حكام لا يؤمنون بقيم الديمقراطية وكرامة المواطن بكل بساطة.

 

 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي