بعض ما جرى في مأساة الصويرة مردّه إلى الفقر والعوز، وبعضه الآخر مرده إلى الشكل التطبيقي الذي يتخذه نظام توزيع المساعدات في هذه البلاد في أغلب الحالات. نظام ينتهي إلى توزيع قيمتين سلبيتين مع كل سلة غذائية، مع كل مبادرة “إحسانية”، داخل كل كيس معونة: الهزيمة أمام الفقر واستمراء المذلة. ومن هاتين القيمتين تتفرع خصال ذميمة أخرى قد تعمي البصيرة وتهزم الحياة. اختلطت مشاعرنا الجماعية بين الألم والحسرة والغضب والحرقة ونحن نتابع خبر أمهاتنا الكريمات (عليهن رحمات الله الواسعة) وهن يسقطن تباعا أمام الفقر في لبوسه المغربي. ألم يكن ممكنا توزيع المعونات بهدوء وبدون ضجيج؟ وفق أسلوب لا ينال من كرامة الإنسان ولا يجعل نيل صدقة قرينا بالوقوف تحت الشمس وفي الطوابير وبين الزحام والغبار والضيق، بل أفجع من ذلك قرينا بخسارة الحياة؟
في معظم قصص الإحسان التي قرأتها في التراث الإسلامي، الذي يفترض أن غالب مبادرات الإحسان الحالية في البلاد تنهل منها، هناك تسلسل متشابه للأحداث: محسن يقف بباب بيت أهله فقراء، يكتمون فقرهم، يضع كيس المعونة أمام الباب، وينصرف، موثِرا ألا يكشف عن هويته. أمران يلفتان انتباهي في هذا النمط في تسجيل ونقل قصص الإحسان. الأول أن هذا الأسلوب الثقافي يعلي من عزة النفس التي جُبل عليها الإنسان، فينصرف (المُحسن) إعلاءً لها ودعما لبقائها أو مخافة هزّها، وربما، أيضا لتجنب الرياء، أما الأمر الثاني في ما يخص هذا الاستشكال الثقافي للفقر، فإما أنك تجد أُمًّا تُفضل أن تطبخ الماء والحجر لأطفالها (على أن تتسوّل)، أو رجلا يربط بطنه من شدة الجوع تأسيا بالرسول صلى الله عليه وسلم، (هذا الاستشكال) يجعل الفقير يتمثل فقره على أنه معركة ومرحلة وابتلاء مؤقت، فيظل في وضع تحدٍ له، ويكون التعفف عملا من الأعمال البطولية التي تُمجد سيرة أصحابها/ أبطالها. حتى المساعدات التي قد يوزعها الخليفة أحيانا على رؤوس الخلق، توزع، حسب ما يستشف من بعض الكتابات الإسلامية، باعتبار أنها مستحقة لأصاحبها وداخلة في إطار توزيع الثروة بين المسلمين ومن “بيت مال المسلمين” تناسبيا مع كل فئة، ناهيك عن أن تمثل الفقر مجتمعيا وثقافيا بين الأمس واليوم مختلف تماما.
عموما، الفقر في الإسلام موضع ممانعة، (- يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف- ضمن نص الآية 273 سورة البقرة)، وليس موضع تسليم. وعلى النظام الذي ينهل من الفهم الإسلامي أن يشجع على بقاء الفقر محل ممانعة، ويجتهد في تصنيف الأسر المعوزة تصنيفا دقيقا، ويفتح أمامها فرص الانتقال نحو حال أيسر، ويرسي نمطا من التكافل بين مجتمع لا يوزع قيم الفقر والمذلة مع أكياس المعونة، ولا يحوّل لحظة تلقي المعونة إلى عيد وحفل إعلامي بهيج. يجب الحفاظ على قطرة الماء تلك في جبين الناس، يجب ابتكار نظام فعّال لتحديد الفئات الأكثر هشاشة يحافظ على تعفّف الناس ولا يغذي فيهم نوازع الانهزام واليأس، ولا يهدد سلامتهم، نظام لا يحوّل مواسم المساعدات إلى مواسم لتوزيع المسكنات وشراء الأصوات وتسويق الصورة وبناء خزّانات انتخابية.. نظام يحوّلها، في نهاية المطاف، إلى مواسم لإعادة توزيع الفقر!
شريط الأخبار
“كاف” يحدد موعد نهائي دوري أبطال إفريقيا وكأس الكونفدرالية
النيابة العامة تطالب بسجن المدرب السابق للمنتخب النسوي الإسباني على خلفية قضية القبلة القسرية
ثلاثون شابا يستفيدون من ورشة للتصوير الفوتوغرافي بسلا
تجمع دعم العائلات المغربية المطرودة من الجزائر يستعد لتخليد ذكرى المأساة
بولندا وأوكرانيا يكملان عقد المتأهلين إلى بطولة أمم أوروبا 2024
منح شهادة الجودة للمعهد الوطني للصحة
فوزي لقجع يترأس ملتقى مفتشي الملاعب بالرباط المنظم من طرف “كاف”
الوقاية المدنية تنتشل جثة تلميذ قضى غرقا في قناة للري ضواحي أزيلال
مدرب منتخب الجزائر لأقل من 20 سنة يصفع عددا من لاعبيه في مشهد عنف غير مألوف
العادات والتقاليد المتوارثة في الجنوب محور إصدار جديد من مجلة “سلسلة تراث”