الزلزال لا يبعث الموتى

22 يناير 2018 - 18:01

العملية السياسية التي ولدت، بعد انتخابات السابع من أكتوبر 2016، ماتت، وإليكم شهادة الوفاة.

اعترف سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، في اجتماع برلمان حزبه، بأن الجهات التي كانت تحارب سلفه بنكيران هي نفسها التي تحاربه اليوم، وهي نفسها التي تشوش على عمل الحكومة، وأن هذه القوى لم تستسلم، ولم ترفع الراية البيضاء، وأن حزب العدالة والتنمية ليست له أوهام، ومادام يمشي على نهج الإصلاح الديمقراطي، فإن الجهات نفسها ستستمر في محاربته… العثماني لا يقصد، طبعا، الحزب الوحيد الجالس على مقاعد المعارضة، والذي لا يعارض شيئا، ولا يقصد النقابات التي لم تعد تهش ولا تنش، ولا يقصد جماعة العدل والإحسان التي لا تعتبر الحكومة جزءا من الحكم أصلا، ولا تتوجه إليها بأي مطلب… من يقصد رئيس حكومتنا بـ«الجهات التي تحارب الحكومة الإصلاحية»، وهو الذي جيء به إلى رئاسة الحكومة ليشكل بديلا عن بنكيران ونهجه وأسلوبه وطريقة ممارسته السياسة، وها هو اليوم يضع في فمه كلمات بنكيران، ويرمي بها إلى كل من يهمه الأمر؟

العثماني يقصد بالجهات التي تحاربه ما كان يسميه بنكيران عفاريت وتماسيح، أو ما كان يلقبه عبد الرحمان اليوسفي بمراكز مناهضة الإصلاح… وهذا معناه أننا رجعنا إلى ازدواجية السلطة نفسها التي كان يتحدث عنها بنكيران بصراحة غير معهودة، والآن يتحدث عنها العثماني بالإشارة، وفي كل الأحوال فإننا لانزال في المأزق نفسه والنفق نفسه.

هذا التصريح الذي جاء على لسان العثماني في المجلس الوطني للحزب ليس للاستهلاك الإعلامي، وليس للمزايدة السياسية، بل هو إحدى خلاصات تسعة أشهر من الجلوس في قاطرة الحكومة… وهو دليل على فشل العملية السياسية التي ولدت بعد السابع من أكتوبر، وهذا ربما ما يفسر أشياء كثيرة، منها تأخر التعديل الحكومي، ومنها تعدد مراكز القرار في وسط الحكومة، ومنها غياب التواصل المستمر بين أطراف القرار في البلد.

إليكم دليلا ثانيا عن وفاة العملية السياسية في « أجمل بلد في العالم ».. الانتخابات موجودة لاختيار من يحكم، والأحزاب موجودة لاختيار من يمثل الشعب، والبرلمان موجود ليعبر عن مطالب الجمهور، والحكومة موجودة لخدمة السكان، والنقابات موجودة لتنظيم العمال والموظفين، وتقنين الاحتجاجات لتوليد الضغط داخل المؤسسات وليس خارجها… كل هذا معطل في بلادنا اليوم، وكل هذه المؤسسات موضوعة على هامش الفعل الاجتماعي بالمغرب في هذه اللحظة. الناس اليوم، في الريف وجرادة وزاكورة ووطاط الحاج والناظور وغيرها، يقصدون الشارع، بعفوية ويأس دون تأطير ولا وساطة ولا تقنين، للمطالبة بحقوقهم عبر المظاهرات والشعارات والمطالب المكتوبة في اللوحات… هذا معناه أن كل مؤسسات التمثيل السياسي والاجتماعي والاقتصادي لا تشتغل، وأن المغربي فقد الثقة في ممثله الجماعي والجهوي والبرلماني والحكومي والنقابي والحزبي، وحتى المدني، وأصبح في وضع «أخذ الحق بالبيد»، دون المرور بأي مؤسسة أو عملية سياسية أو أطر منظمة، وهذا خطره لا يخفى على لبيب.

لا توجد دولة تحكم شعبا مباشرة دون مؤسسات، ودون المرور عبر قنوات التنظيم والتأطير… هذا دليل ثالث على موت العملية السياسية.

الأحزاب المغربية كلها أصبحت اليوم على هامش الحياة السياسية، وكلها تعيش أزمة «بطالة سياسية». العدالة والتنمية تحول نصره الانتخابي إلى هزيمة في الحكومة، وها هو القائد الجديد للحزب يبحث عن مخرج لإقناع القواعد بأنه يسير على طريق سلفه. الأصالة والمعاصرة أصبح مثل الكلب الضال، لا يعرف كيف يرجع إلى صاحبه، ولا يقدر على إقناع صاحب جديد بتبنيه. الاستقلال طرد شباط من قيادته، وجاء بأمين عام يتصرف كتقنوقراطي في حزب سياسي، وينتظر المبادرة أن تأتيه من الأعلى، أما حزب الأحرار فإنه يلعب في التوقيت الميت للسياسة، ويتصور أن المال يصنع الزعامة، وأن الشركة يمكن أن تعوض الحزب، وأن التواصل يمكن أن يغطي غياب المشروع. أما الاتحاد الاشتراكي، فإنه صار يتيما لا يعيش دون كفيل، وأصبح يناضل يوميا من أجل مشروع «نسيان الماضي» الذي يثقل كاهل الحاضر. باقي الأحزاب إما صغير لا تأثير له، أو طفيلي ضرره أكبر من نفعه… هل بمثل هذا المشهد الحزبي سيتم تأطير المواطنين، وتنشيط الحياة السياسية، وتقديم عروض جديدة للجيل الجديد؟ الزلزال السياسي، الذي اقترحه الملك محمد السادس طريقة لإعادة إحياء العملية السياسية عن طريق الصعقة الكهربائية، كان آخر محاولة لإنقاذ العملية السياسية التي أصيبت بالسكتة القلبية، لكن يبدو أن المحاولة لم تنجح، وأنه حتى الزلزال لا يمكن أن يبعث الموتى، أو أن يرد الروح إلى الجثث الباردة.
يقول غرامشي في وصف حالة عاشتها بلاده إيطاليا قبل حوالي قرن: «القديم يموت والجديد لم يولد بعد».

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

مواطن منذ 6 سنوات

جوابا على سامراي: الفرق أن تركيا لا تعرف سلطة مخزنية تسمو على الدستور و تتحكم في كل شيء وبدون حسيب و لا رقيب.

ع الجوهري منذ 6 سنوات

من أقوال بنكيران أن المغرب تسيره حكومتان حكومة جلالة الملك وحكومة لايعرفها فهل هي التي يقصد العثماني

سامراي منذ 6 سنوات

أنا دائما أطرح سؤال لمادا نجح حزب العدالة والتنمية في تركيا وفشل حزب العدالة والتنمية في المغرب إنها سياسة إحترام والولاء للحكومة المنتخبة ولاشيئ غير الحكومة المنتخب ة من الشعب

Kamal منذ 6 سنوات

.إليكم تصور مختلف للعبة السياسية في أجمل بلد في العالم . الانتخابات موجودة لتجميل الواجهة الخارجية . البرلمان . موجود كثقب ريعي لإرشاء"النخبة" القادرة على الحشد الأحزاب موجودة إما لتكتيل الأعيان من رأسماليين و . إقطاعيين و إما لتذويب أعمار الطامحين الصادقين الحكومة موجودة لتبني قذارات النظام و تنفيذ تعليمات البنك الدولي بعيدا عن البرامج الانتخابية أما الحاكم الفعلي و الوحيد ، فمنزه عن المحاسبة دستورا و واقعا

للأسف منذ 6 سنوات

شكرا على التحليل ، في الصميم

التالي