الهاكا تفرغ الإعلام العمومي من «روح السياسة»

20 يونيو 2018 - 22:03

بعد 12 عاما من صدور القرار المنظم للتعددية السياسية والفكرية في وسائل الإعلام السمعية البصرية العمومية، اعتمد المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، الهيئة التقريرية للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، قرارا جديدا يحذف جميع القواعد التي كان معمولا بها في السابق، والتي كانت تضمن حدا أدنى من الحضور الإعلامي للأحزاب السياسية بناء على قواعد الديمقراطية والتعددية، في مقابل إلزام الإعلام العمومي بتمثيلية فئات جديدة إلى جانب الأحزاب.

القرار الجديد حذف حق الحكومة والأغلبية البرلمانية في حضور إعلامي يساوي ضعف حضور المعارضة داخل مجلس النواب، كما حذف عتبة 10% التي كانت مخصصة للأحزاب غير الممثلة في البرلمان. القرار الجديد يتخلى عن القواعد التي كانت مستمدة من « المنهجية الديمقراطية »، التي تقوم على منح الأغلبية مكانة خاصة باعتبارها تمثل الإرادة الشعبية، إلى جانب حماية حضور كل من المعارضة والأحزاب غير الممثلة في البرلمان. فيما كانت تلك القواعد نفسها لا تحترم من طرف الإعلام العمومي.
القرار الجديد اكتفى بمبادئ فضفاضة غير قابلة للقياس بالأرقام، حيث تحدث عن ضرورة احترام مبدأ « التوازن » في البرامج الإخبارية، ومبدأ « الإنصاف » في المجلات الإخبارية بين فئتي « الحكومة والأغلبية » و »المعارضة ».

في المقابل تم الاكتفاء في المادة الرابعة من القرار الجديد بإلزام متعهدي الاتصال السمعي البصري العمومي بـ »تمكين الأحزاب غير الممثلة في البرلمان من إبداء آرائها في البرامج الإخبارية التي تهتم بقضايا الشأن العام ».

مصدر قريب من ملف تدبير الإعلام العمومي، قال لـ »اليوم24″، إن المقتضيات الجديدة قد تؤشر على تراجع كبير في مجال التعددية السياسية في الإعلام العمومي، وفيما أنهى القرار الجديد « احتكار » الأحزاب السياسية لوسائل الإعلام العمومية، وفتح الباب أمام حضور جمعيات المجتمع المدني، قال المصدر نفسه إن « هناك سؤالا كبيرا حول أي مجتمع مدني سيحضر؟ هل سنشاهد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مثلا أم فقط جمعيات أخرى؟ ثم كيف سنحدد التوازن في حضور هذا المجتمع المدني؟ وهل سنأخذ بعين الاعتبار قوى لها قدرة كبيرة على التعبئة مثل جماعة العدل والاحسان، وبالتالي، يمكن اعتبارها إما مجتمعا مدنيا ـ وتيارا سياسيا ».

وخلص المصدر نفسه، إلى أن الأحزاب السياسية غير الممثلة في البرلمان أصبحت مهددة بالإقصاء، « إلى جانب جماعة العدل والإحسان التي لديها قدرة على تعبئة جزء كبير من المجتمع، وبالتالي، من حقها الحصول على تمثيلية وإسماع صوتها كقوة سلمية 
ومعترف بها قانونيا كجمعية ».
مصدر آخر تولى مهمة سابقة في تدبير الإعلام العمومي، قال لـ » اليوم24″ إن القرار السابق « كان فيه نوع من الإجحاف لأنه يعطي لمن يحكم 60 في المائة من الحصة الزمنية، مقابل 30 في المائة فقط، لمن يعارض، وبالتالي، كنا نصبح أمام هيمنة مطلقة للحكومة وأغلبيتها ».

وفيما ظلت تقارير الـ »هاكا » تؤكد عدم احترام القنوات التلفزيونية والإذاعية لهذا التوزيع الزمني بين الأغلبية والمعارضة، قال المصدر نفسه إن عدم الاحترام هذا كان ينجم عن وجود خوف من الحرية في المغرب، وخاصة في الإعلام العمومي ».

المصدر عاد ليؤكد أن « القرار السابق كان يطرح مشكلة بالنظر إلى التحولات التي عرفها المجتمع، حيث كانت التعددية تنحصر في النقابات والأحزاب، والآن أضيفت الجمعيات بعد التنصيص الدستوري على دور المجتمع المدني، ونظرا إلى العامل الثقافي الجديد، حيث أصبح المغرب حريصا على حضور التعبيرات المحلية والمتنوعة ».

بيان أصدرته الهيئة للإعلان عن هذا القرار، قال إن المستجد الأساسي لهذا القرار هو « الانتقال من تعددية سياسية بحتة، إلى تعددية تيارات الفكر والرأي، التي ترتكز على تعدد الفاعلين وحقهم في التعبير عن الأفكار والآراء والمواقف من الأحداث الراهنة وقضايا الشأن العام، بما يضمن حق المواطن في الاطلاع على مختلف الآراء ووجهات النظر، ويساهم في الارتقاء بحسه النقدي، في إطار احترام الحرية التحريرية واستقلالية متعهدي الاتصال السمعي البصري ».

وأوضح البيان أن الهدف من هذا القرار هو تحقيق نقلة نوعية في تنظيم التعبير التعددي لتيارات الفكر والرأي، « باعتماده مقاربة تزاوج بين « مبدأ الإنصاف » الذي يضمن، استنادا إلى قواعد التمثيلية في المؤسسات المنتخبة، الولوج المنصف للأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والمهنية إلى خدمات الاتصال السمعي البصري، وبين « مبدأ التوازن »، الذي يضمن تعددية المصادر والتعبير عن مختلف وجهات النظر عند التطرق لقضايا الشأن العام ».

ويتمثل هذا الانتقال في التنصيص على حق جمعيات المجتمع المدني في الولوج إلى برامج خدمات الاتصال السمعي البصري، « في إطار احترام قواعد الإنصاف الترابي والتوازن والتنوع 
وعدم التمييز ».

الأكاديمي والعضو السابق في المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، نور الدين أفاية، قال لـاليوم24″ إنه لم يطلع بعد على القرار الجديد، « لكن يمكنني القول إنه إذا كان يطور القرار السابق للحد من هيمنة الحكومة على الإعلام العمومي، فهذا جيد، فالمغرب شهد تطورات كثيرة وكان المفروض إعادة النظر في القرار بما يوسع الحريات ».

وأوضح أفاية أن القرار السابق كان مؤسسا في مرحلة كانت تمهد للخروج من منطق الدعاية إلى الأخبار وتعددية الرأي بدل الرواية الواحدة، « وبالنسبة إلى المغرب فالهيئة كانت محطة فاصلة، بحكم أنها قامت بدورها التأسيسي في هذا المجال، وألزمت المتعهدين باحترام مقتضيات القانون، وأنتجت تقارير دورية تتضمن تشخيصا للتدبير العمومي للإعلام، وبتوصيات لتطوير الممارسة 
التعددية للإعلام العمومي ».

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي