يونس الخراشي يكتب: إلترات مواطنة

11 يوليو 2020 - 18:00

عند الشدائد يظهر المعدن الأصيل. وفي عز الجائحة، التي مست المغرب، ظهر معدن الإلترات. وتبين، لمن كان بحاجة إلى بيان، أن هذه المجموعات العاشقة لفرق كرة القدم، حد الهوس، ليست مرادفا للتقوقع والشغب والعنف والفوضى.

أي نعم، لقد سجلت التقارير الأمنية والإعلامية، على مدى السنوات الماضية، الكثير من الأفعال المخجلة والمقلقة التي صدرت عن منتسبين إلى عدد من الإلترات، وصلت إلى حد الصدام العنيف في الملاعب، وبعيدا عنها، ولأسباب تافهة، حتى صدر في حقها «قرار المنع». غير أن ما وقع أثناء الحجر أظهر المعدن الأصيل للإلترات المغربية، وأكد الطريق الذي يتعين أن تمضي فيه وتعض عليه بالنواجذ، كي تبقى عنصرا ينظم الجماهير، ويصنع الفرجة، ويقدم صورة إيجابية عن كرتنا، وعن بلدنا أيضا.

فقد كان لافتا للانتباه أن الإلترات، وعكس الفرق التي تشجعها، كان لها حضور قوي أثناء الجائحة؛ أي قبل تخفيف الحجر، ثم رفعه. ذلك أنها بادرت، ومن البداية، إلى التحرك حيث يتعين، مساعدة بقدرتها التنظيمية واللوجيستيكية الهائلة، لتخفيف الأعباء عن الكثير من الأسر المعوزة، وتوعية الناس في الشارع بضرورة الامتثال للتعليمات الخاصة بالنظافة والعزل الصحي، فضلا عن حضورها في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تحظى بمتابعات لا تضاهى، وبمصداقية فوق الوصف.

وبينما كانت الفرق تعيش على وقع صدمة التوقيف عن اللعب، ودوخة المشاكل المترتبة على تدبير الأزمة المالية، فلم يتحرك منها إلا القليل للمساعدة في التصدي للجائحة وتداعياتها، نشطت الإلترات بسرعة وفعالية مبهرتين، مظهرة قوتها، ومستفيدة من هيكلتها المحكمة، وانضباط المنتسبين إليها، ورغبتها في أن تصحح الصورة التي ارتسمت، على مدى سنوات، في مخيلة الكثيرين، ممن صاروا يربطونها بالعنف، ولا شيء غير العنف.

من الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها الإلترات، منذ تأسيسها سنة 2005، أنها لم تخضع نفسها للتبيئة وفق الواقع المغربي. وهكذا، فقد حافظت على الحركية بتفاصيلها الوافدة من الخارج، وخاصة «الكورتيج» الذي ظل مصدرا للمشاكل، ولحظة إزعاج كبير جدا للجهات المسؤولة عن الأمن، وبالقطع للسكان. ولعل حادث «الخميس الأسود»، الذي حُفر في أذهان البيضاويين، يشهد على ذلك الفصل السيئ من تاريخ حركية الإلترات في المغرب.

وإن كانت النشأة الحديثة للإلترات في المغرب تجعل المتتبع يغفر لها أخطاء البداية، فإن الجميل هو أن بعض المنتسبين إلى أنويتها أدركوا ما وقعت فيه من عثرات، وسارعوا إلى النقد الذاتي، معبرين عن الرغبة في التغيير. وهو ما أثر في الوضع لاحقا، حيث جاءت العودة إلى الملاعب بصورة تدريجية، ووفق إجراءات وترتيبات معينة، في أفق العودة الكبيرة، حين تنضج الظروف المواتية لذلك وسط الإلترات خاصة، ولدى الرأي العام الكروي بشكل عام.

تبقى الإشارة إلى أن الإلترات المغربية لعبت، لأسباب مختلفة، وبدرجات متفاوتة، أدوارا يفترض أنها موضوعة، بقوة القانون وتواتر العرف، للمنخرطين واللجان المرافقة للمكاتب المسيرة، في وقت لم يكن يتعين عليها أن تفعل ذلك. ونذكر هنا على الخصوص تدخلها في التسيير اليومي، بطريقة أو بأخرى، بل، وفي أحيان، تدخلها حتى في التشكيلة، وقائمة اللاعبين الذين يفترض بقاؤهم في الفريق أو ذهابهم منه.

فإذا كان من حق الجماهير، وهي التي تؤدي ثمن الدخول إلى الملعب، وبالتالي بعضا من راتب اللاعبين وغيرهم، أن تبدي رأيها في الفريق والمدرب واللاعب، فليس من المعقول أن تتدخل في التسيير، و«تفرض»، بما تتوفر عليه من «سلطة رمزية»، و«مالية» أيضا، ما ينبغي فعله وبأدق التفاصيل. لأنها إن فعلت ذلك، ولعبت أدوارا غير دورها الطبيعي والمتعارف عليه لن تبقى جماهير، بل ستصبح شيئا آخر يصعب تصنيفه وتوصيفه.

هل قلنا إن الإلترات المغربية أبانت عن معدنها الأصيل أثناء الجائحة؟ نعم، وذلك لأنها لعبت دورها الصميم في تنظيم الجماهير، وتأطيرها، وتوعيتها، ومساعدتها أيضا. وهكذا، وبناء على ما سبق، فإن الأفق يبدو أكثر إيجابية بالنسبة إلى تلك الإلترات، رغم كل ما قيل عنها، ودورها في تنشيط الملاعب الكروية، والرياضية عموما، في مستقبل الأيام، بروح متجددة، تستفيد من الأخطاء التي وقعت فيها، ومن الصورة الرائعة التي قدمتها للعموم أثناء الجائحة.

سألني الزميل سامي مودني، من قناة «ميدي 1»، منذ مدة، عن قرار المنع، فقلت له: «شخصيا، لست معه. فلا يمكن منع شيء كهذا. وكل من جربوا منع شيء كهذا عبر التاريخ، وجدوا أنفسهم يمنعون ما لا يمكن منعه. ثم إن الإلترات ليست جمعيات أو هيئات ينظمها قانون حتى يجوز منعها. وهي فوق ذلك تنظم الجماهير، وصارت لها جذور وسيقان وثمار. الحل ليس في المنع، بل في دفعها إلى النقد الذاتي، الذي سيتيح لها أن ترى نفسها في المرآة، وتصنع لنفسها أسلوبا أمثل في التنظيم والحضور. وحينها ستكون مفيدة في الملاعب وخارجها».

اليوم يتضح أن الإلترات ماضية في الطريق الصحيح. وقد أثبتت ذلك أثناء الجائحة، ويتعين عليها أن تمضي فيه إلى أبعد حد، بحيث تكون قد جددت نفسها بعد مرور أقل من عشرين سنة على وجودها في المغرب. وهذا في حد ذاته تطور مهم للغاية.

العجيب والغريب أن الإلترات استطاعت أن تنتصر لنفسها تنظيميا، وتمارس النقد الذاتي، وتجدد نفسها؛ أي أنها دخلت «الاحتراف»، في وقت لاتزال الفرق تتساءل فيه أيهما سبق الآخر؛ «البيضة أم الدجاجة».

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواطن منذ 3 سنوات

الغريب ان المقال تزامن مع بيان احد الفصائل بمضمون خطير جدا!!!

التالي