سرقة البحوث الجامعية

18 يناير 2018 - 14:59

وأخيرا تحركت الشرطة لتعقب جيش الغشاشين الكبار داخل الجامعات. وأقصد بالغشاشين الكبار، ليس أولئك الذين اعتادوا أن يدخلوا قاعات الامتحانات مدججين بـ”الحروز”، بل من يُتوجون مسار “التحراز” الطويل بحرز كبير اسمه البحث أو الأطروحة أو الرسالة.. والتي يطيب لكثير من هؤلاء أن يطلقوا عليها بكثير من الجهل والشجاعة: “la mémoire”، مع التركيز على (la).
والحقيقة أن من قضى مساره الجامعي كله في “النقل” لا يمكنه أن يُعمِل “العقل” في نهايته وينجز بحثا أو رسالة من بنات أفكاره أو الأفكار التي حصّلها وطورها طيلة مساره الجامعي. فالبحث الوحيد الذي يمكن أن يكتبه هؤلاء دون غش هو: كيف تصبح غشاشا في ست سنوات من دون معلم.
كيف، إذن، يمكن للدولة أن تحارب الغش الآن، بعدما أصبح الغشاشون هم القاعدة الواسعة، والمعتمِدون على أنفسهم الاستثناء، وبعدما أصبحت للغش حِكم ومأثورات تُروى: “من نَقلَ انتقلَ.. ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمِه”، بل بعدما صار الغش ممأسسا، وأصبح هناك من يستثمر فيه ويؤسس وكالات لذلك يُشغل فيها الناسخين وأشباه الباحثين لإنجاز البحوث والأطاريح للطلبة، الذين باتوا مثل ذلك الفقيه الخليجي الذي يحكي عنه الشاعر إدريس أبو زيد، قوله: “الحمد لله الذي خلق النصارى واليهود ليخترعوا لنا، حتى نتفرغ نحن للعبادة”؟
نعم، مؤسسات ظاهرها مراكز فوطوكوبي، وباطنها وكالات لإنجاز البحوث الجامعية، خَلا لها الجوُّ فاشتغلت لسنوات، بعلم من إدارات الجامعات وتواطؤ من عدد من الأساتذة، قبل أن تُحرج، أخيرا، عمداء بعض الكليات وتدفعهم لتقديم شكايات إلى الأمن، بعدما لم تعد هذه الوكالات تعمل في السر، بل أنشأت صفحات على الفايسبوك، تروج فيها لبضاعتها. تقول واحدة منها بالحرف: “أهلا ومرحبا. بالنسبة إلى البحوث عندنا أكثر من 600 بحث جاهز من جميع كليات المغرب، وكنبيعوها PDF أو W0RD بثمن يتراوح ما بين 700 درهم حتى ألف درهم على حساب الموضوع… وإذا كنتي اختاريتي العنوان ديال البحث ولا سبق وعطاك الأستاذ موضوع ممكن حنا نخدموه لك مكتوب فالوورد W0RD في أقل من 20 يوما وبدون أخطاء ومراجع موثوق بها وإحالات صحيحة. الثمن يتراوح ما بين 1300 درهم و1600 درهم على حسب البحث اللي عندك واش صعيب ولا ساهل واش موجودين المراجع ولا لا”.
لقد أشرفت، قبل حوالي أربع سنوات، عندما كنت مسؤولا عن قسم التحقيقات بجريدة “المساء”، على تحقيق صحافي بعنوان: “سرقة البحوث الجامعية.. جريمة بدون عقاب”، وكنت أعتقد حينها أن نشره سيقيم الدنيا ولن يقعدها، وسيستنفر كل المتدخلين لتطويق ظاهرة الغش، التي وصلت إلى هذا الحد من الاستفحال والعربدة، لكن تواطؤ الصمت كان هو سيد الموقف. بعدها بمدة، زارني بالجريدة أستاذ بإحدى الكليات المغربية، وبسط أمامي حقائق مهولة عن تورط أساتذة جامعيين معروفين في سلخ عشرات الصفحات من مؤلفات لمفكرين أوروبيين، ونسبوها إلى أنفسهم، ولسان حالهم يقول: “إذا كان رب البيت للدَّفِ ضاربا.. فشيمة أهل البيت كلهمُ الرقصُ”.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي