صورة قاتمة

11 سبتمبر 2018 - 13:53

عادة ما يُتهم الصحافيون بأنهم متشائمون لا يرون سوى السلبيات، وينشرون الصور القاتمة، فهم لا يكتبون سوى عن القطارات التي تتأخر، وعن المشكلات السياسية وضعف النخب وتواطئها، وعن الفساد والتراجعات. لكن في الواقع، فإن جزءا من دور الصحافة ذات المصداقية في المجتمعات الديمقراطية هو كشف الحقائق التي لا يريد السياسي أن تظهر للعلن. أحد الوزراء المغاربة وصل به الأمر حد وصف الصحافة المغربية المستقلة خلال انتخابات 2007 بأنها “تنشر التيئيس”، واتهمها بالتسبب في تدني نسبة المشاركة في تلك الانتخابات إلى 37 في المائة، وهي نسبة غير مسبوقة وشكلت صدمة. لكن اليوم، وصلنا إلى مستوى أصبح معظم الفاعلين سواء أكانوا سياسيين أو حقوقيين أو في المجتمع المدني يجمعون على أن صورة المغرب قاتمة، ولم يعد هناك مجال لاتهام الصحافيين وحدهم بالتشاؤم ونشر التيئيس. في عدد نهاية الأسبوع الماضي من “أخبار اليوم”، وجهنا أسئلة عن أجواء الدخول السياسي في المغرب لعدد من الشخصيات من توجهات مختلفة: إسلاميون، ويساريون، وليبراليون وفاعلون في المجتمع، فكانت الصورة التي رسموها عن الوضع جد قاتمة. إذ تحدث معظمهم عن وجود أزمة. هناك من تحدث عن “أزمة ثقة” في الدولة مثل رجل الأعمال كريم التازي. ولنتأمل جيدا هذا التصريح الخطير الذي قال فيه إن أزمة الثقة “سببها الخروقات ضد الدستور والقانون التي ارتكبتها الدولة، وما نشأ عن ذلك من خوف ورعب”، لحد أنه قال “إن كل مواطن مغربي أصبح خائفا من أنه مراقب أو يتم التجسس عليه، وفي أي لحظة يمكن اختراع سبب لاعتقاله، سواء أكان موظفا ساميا أو عاديا، أو رجل أعمال أو صحافيا أو فاعلا جمعويا”. ولنتأمل، أيضا، ما قاله نبيل بنعبد لله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية والوزير السابق، الذي دعا إلى نفسٍ ديمقراطي جديد، كما دعا الحكومة إلى “أن تظهر فعلا أن هناك إجراءات مطمئنة، ومُكرِّسة لجو الثقة إزاء الفاعلين الاقتصاديين الذين يوجدون في حالة انكماش، بل إن هناك ممارسات سلبية في حركة الأموال والرساميل، قد تؤثر سلبا على الوضع الاقتصادي الوطني، وعلى التشغيل”. أما آمنة ماء العينين، برلمانية البيجيدي، فقد قالت: “إن الدخول السياسي مطبوع بالارتباك وغياب الأفق السياسي لدى معظم الفاعلين”. فيما تحدث نورالدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي، عن “الوضع الاجتماعي الهش والركود الاقتصادي وتراجع الاستثمارات”، كما أشار إلى محاكمات الريف وقمع الصحافة. أما عن الوضع الحقوقي، فقد وصل الأمر بالأستاذ النقيب والحقوقي البارز عبدالرحمان بنعمرو، إلى القول بأن الوضع الحقوقي الحالي أصبح “أسوأ من التسعينيات في عهد الحسن الثاني”. هذا، دون التذكير بتقييم فاعلين حقوقيين يساريين معروفين بانتقاداتهم للأوضاع أمثال خديجة الرياضي وفؤاد عبدالمومني وغيرهم.

هذه التحليلات تلتقي مع ما يروج في الصالونات واللقاءات المغلقة لمسؤولين سياسيين وحزبيين، حول صورة الوضع القاتم. صحيح أن المشكلة الاجتماعية عويصة والدولة تقر بذلك في أعلى المستويات، وهناك تعليمات ملكية في الخطب الأخيرة لتكريس اهتمام الحكومة للجانب الاجتماعي والتصدي للبطالة التي تضرب أطنابها، خاصة في صفوف الشباب، لكن الإشكال سياسي، ولحله يجب استرجاع الثقة وتحقيق انفراج حقوقي وإعادة المصداقية للحياة السياسية وللانتخابات وللمؤسسات.. بدون ذلك، سنظل نجتر الأزمة، وكما قال محمد الساسي مؤخرا: “إما الانفراج أو الانفجار”.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي