ميندل: المغرب لديه أحد أضعف قوانين الوصــول إلى المعلومات في العالم

01 أكتوبر 2018 - 07:00

توبي ميندل، هو ناشط دولي في مجال حقوق الإنسان، ومدير مركز “القانون والديمقراطية”. كندي الجنسية، يعمل منذ سنوات طويلة مع منظمات حقوقية دولية للدفاع عن حرية الرأي والتعبير وحق وسائل الإعلام في الوصول إلى المعلومات. أطلق مؤخرا مشروعا لتعزيز الشفافية داخل جامعة الدول العربية ودولها الأعضاء. حول أهداف هذا المشروع، إلى جانب واقع الشفافية في المغرب ودول المنطقة، يتحدث ميندل في هذا الحوار.

أطلقت مؤخرا مشروعا لمشاركة أفضل للمجتمع المدني في اتخاذ القرار داخل جامعة الدول العربية، أخبرنا عن أهداف هذا المشروع؟
يهدف المشروع إلى تسهيل فهم جامعة الدول العربية، وتطوير تعاملها مع المجتمع المدني ووسائل الإعلام، وكذلك تحديد أهداف واضحة لمشاركة أفضل للمجتمع المدني. وعلى المدى الطويل، يروم المشروع ﺘﻌﺰﻳﺰ اﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ والحكامة الجيدة داﺧﻞ هذه الهيئة.

جامعة الدول العربية ودولها الأعضاء، لا يقومون بمشاركة المجتمع المدني في النقاشات والقرارات المتخذة بشكل أمثل. لماذا برأيك؟
أعتقد أن هناك سببين رئيسيين لهذا. أولا، الجامعة العربية لم تطور ممارسة القيام بذلك. إذ يستغرق تنزيل مبدأ المشاركة أو التشاور بعض الوقت، فهي تعتمد بالأساس على بناء علاقات جيدة بين هذه المكونات.
في الوقت الحالي، العلاقات بين الجامعة العربية ووسائل الإعلام والمجتمع المدني سيئة للغاية. وهو ما يجب التغلب عليه. بحيث لم تضع الجامعة أنظمة المشاركة والتشاور ولم تخصص الوقت لذلك. هذه تغييرات مؤسسية تحتاج إلى القيام بها.
ثانياً، هناك الكثير من المقاومة داخل الجامعة العربية لهذا التوجه. هذه المقاومة مدعومة من قبل العديد من الدول الأعضاء فيها. في رأيي، يعكس هذا التوجه وجود ديمقراطيات هشة في العديد من بلدان المنطقة، الشيء الذي ينعكس بشكل طبيعي على أداء الجامعة نفسها.
فالعمل إلى جانب المجتمع المدني يتطلب أن تكون المؤسسة منفتحة على وجهات النظر الأخرى، كما يتطلب تكييف قراراتها لكي تعكس وجهات النظر هذه. هذا هو النهج الأساسي الذي يعتمد على وجود مقاربة ديمقراطية. فجامعة الدول العربية تحتاج إلى العمل من أجل بناء هذا السلوك داخل هياكلها الخاصة.

بمعنى آخر، هل يعود الأمر إلى حداثة مفهوم المجتمع المدني في هذه الدول، أم إن للأمر علاقة بما هو سياسي؟
كما قلت في جوابي السابق، لا أعتقد أن للأمر علاقة بشكل أساسي بحداثة وجود المجتمع المدني. فهنالك اليوم، العديد من منظمات المجتمع المدني المخضرمة والمهنية في جميع أنحاء العالم العربي. صحيح أنه من الصعب على مؤسسات مثل جامعة الدول العربية الانخراط في المجتمع المدني، على اعتبار أنه لم ينضج بعد، لكن هذا ليـــس هو الحـــال في حقيقــة الأمر. أظــــن أن الوضـــع يكتســـي طابعــا سياسيا أكثر.

كيف السبيل من أجل تغيير الوضع إذن؟
ليس من السهل تغيير سلوك المؤسسات الكبرى مثل الجامعة العربية. يهدف مشروعنا إلى تغيير هذا السلوك من خلال ثلاث مسالك رئيسة. أولا، لقد أجرينا بحثا حول المعايير والممارسات الضرورية لمشاركة المجتمع المدني في المنظمات الحكومية الدولية الأخرى، على أمل أن يجعل ذلك جامعة الدول العربية تدرك أنها بعيدة كل البعد عن هذه المنظمات.
انطلاقا من ذلك سوف نرفق هذا مع ميثاق للحد الأدنى من معايير مشاركة المجتمع المدني، الذي نعتقد أن على الجامعة العربية احترامه. لذلك، فنحن سنظهر، في الوقت نفسه، كيف أن الجامعة متأخرة بهذا الخصوص، وكيف السبيل للمضي قدما؟
ثانيا، نحن نأمل تطوير اهتمام وسائل الإعلام بهذه القضية. إذ نعتقد أنه إذا كانت وسائل الإعلام تغطي هذه القضية، فسوف يتم مناقشتها في المجتمع، ونأمل أن نتمكن من ممارسة بعض الضغط على الجامعة العربية للانفتاح أكثر. ثالثا، نحن نحاول الانخراط مباشرة مع هيئات جامعة الدول العربية لإجراء نقاش حول الموضوع. حتى الآن كان الأمر صعبا، لكننا مازلنا نأمل في أن يكون ذلك ممكنا. نحن نخطط لورشة عمل في القاهرة، حيث مقر الجامعة العربية، الشهر المقبل، وسنناقش مع بعض القادة هذا الموضوع بشكل موسع.

عدم الوصول إلى المعلومات من بين أهم العقبات التي تواجه المجتمع المدني العربي، وحتى وسائل الإعلام. فهناك حجم كبير من البيانات التي تعتبرها الحكومات حساسة، وفي بعض الأحيان تكتسي البيانات العادية الطابع نفسه. كيف ترى هذا الأمر؟
إن أحد أهم المجالات التي نركز عليها في عملنا مع الجامعة العربية هو الوصول إلى المعلومات، لأنه، كما تفضلت، من الصعب جدا المشاركة إذا كنت تفتقر إلى المعلومات. هنا، كما هو الحال في مناطق أخرى، تقف جامعة الدول العربية متأخرة، ليس فقط، عن منظمات مثل مجلس أوروبا، ولكن أيضا عن منظمات الولايات المتحدة الأمريكية وحتى هيئات الأمم المتحدة. فهي ليست لديها سياسة مناسبة بشأن الوصول إلى المعلومات، بخلاف عدد متزايد من المنظمات الحكومية الدولية، فهي في الواقع تكشف سوى القليل جدا من المعلومات. ونحن نطالب بتغيير هذه الممارسات.
كما أن هناك، أيضا، مشكلة رئيسة على المستوى دول المنطقة كما أشرتم. فـ 6 دول عربية هي: الأردن، لبنان، المغرب، تونس، السودان واليمن، هي من تتوفر على قوانين تمنح المواطنين حق الحصول على المعلومات الحكومية، في حين أن أكثر من 120 دولة حول العالم لديها هذه القوانين. ومن بين تلك البلدان هناك من العديد من القوانين الجيدة والأخرى الضعيفة جدا.
لذلك، فإن المسألة مهمة في جميع أنحاء المنطقة. ومع ذلك، هناك بعض التغييرات الإيجابية. فتونس، على سبيل المثال، اعتمدت قانونا جديدا في عام 2016، وهو ثالث أقوى قانون في العالم، كما أنها تحقق أداء جيدا من حيث تطبيقه.

تعد قوانين الوصول إلى المعلومات من بين أهم العقبات الموجودة أمام الصحافة، إذ يطلق عليها البعض «قوانين حجب المعلومات». في المغرب مثلا، يحدد القانون الذي تم سنه مؤخرا قائمة طويلة من الاستثناءات، وترتبط بشكل أساسي ببعض القطاعات الحساسة مثل الجيش. ما الذي يجب أن تنص عليه هذه القوانين في رأيك؟
ﺻﺤﻴﺢ أن اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ﺿﻌﻴﻒ، ولم يحصل ﺳﻮى على 72 ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮع 150 ﻧﻘﻄﺔ ﻓﻲ ﺗﻘﻴﻴﻢ RTI، المنظمة اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻟﺮاﺋﺪة في ﺘﻘﻴﻴﻢ ﻗﻮة هذه اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ. وهذا يضع المغرب في الثلث الأدنى من جميع البلدان التي تتوفر على هذه القوانين. من حيث الاستثناءات، يحصل القانون المغربي على 50 في المائة فقط، من نقاط هذا المؤشر. هذا أمر معقد إلى حد كبير، فالثابت هو أن جميع الاستثناءات يجب أن تكون مرتبطة بتداعيات سلبية، إذ يبقى مهما أن يحمي كل بلد أمنه القومي، وكل القوانين الموجودة تفعل ذلك، لكن يجب أن تكون هذه الاستثناءات ماسة بالفعل بالأمن القومي. وحتى في حالة الجيش مثلا، يجب أن تكون هناك أسبقية للمصلحة العامة، بحيث يتم أخذها بعين الاعتبار خلال الإفصاح عن المعلومات التي تتعلق على سبيل المثال بفضح الفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان.
القانون المغربي فشل في تفعيل مبدأ المصلحة العامة. فإذا تمت ملائمة هاتين الخاصيتين – تجنب الضرر وتحقيق المصلحة العامة – بشكل صحيح، فإن هذا من شأنه الحد من قائمة الاستثناءات.

قلت في حوارات سابقة إن الإنترنت ساهم في تحرير المعلومات من سلطة المؤسسات الرسمية. كيف يؤثر هذا على العالم العربي؟
لقد حررت الإنترنت بطرق عديدة المعلومات ودعمت تدفقها. على سبيل المثال، حتى تبادل المعطيات التي نقوم به الآن أصبح أسهل بكثير بسبب الإنترنت. كما سهل هذا الأخير على الأشخاص إمكانية تسريب المعلومات. فعلى سبيل المثال، لم يكن بإمكان إدوارد سنودن أن يقوم بما فعله دون إنترنت وغيره من تقنيات المعلومات الرقمية الحديثة. اليوم، يمكن لأي شخص لديه إمكانية الوصول إلى جهاز رقمي بسيط نسبيا مثل الهاتف الذكي التحدث إلى العالم عبر الإنترنت.
بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم الحكومات تنشر اليوم معلومات أكثر بكثير عبر الإنترنت لم يكن من الممكن تخيلها قبل 20 سنة. وهذا يخص المغرب، كما يخصنا نحن هنا في كندا على حد السواء. فتقريبا كل موقع حكومي في كلا البلدين لديه ثروة من المعلومات المفيدة والمهمة للمواطنين وغيرهم.
لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الحكومات أصبحت أكثر انفتاحا على كشف معلومات قد تكون محرجة أو صعبة بالنسبة إليها. ففي كثير من الحالات ليست هذه هي المعلومات التي يريد المجتمع المدني والإعلام الحصول عليها حقا. لهذا تبقى الحاجة إلى قانون الوصول الفعال إلى المعلومات مسألة ملحة، وذلك في حالة رفض المسؤولين الكشف عن المعلومات طواعية.

من ناحية أخرى، ساهم هذا الوضع في ظهور “الأخبار الزائفة”. كيف سيؤثر هذا على الرأي العام؟
أعتقد أننا بحاجة إلى توخي الحذر الشديد في استخدم مصطلح “أخبار زائفة”. فهو مصطلح يستخدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مثلا، للإشارة إلى التقارير الإعلامية التي توجه نقدا لاذعا، ولكن هذا النقد دائما ما يكون صحيحا في جوهره. كما يستخدم ترامب هذا المصطلح في الغالب للإشارة إلى وسائل الإعلام الجادة. ومرة أخرى أقول إن الحقيقة هي أن تقارير هذه الأخيرة دقيقة إلى حد كبير من حيث الجوهر، وأن درجة الدقة في إعدادها لم تتغير بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
لكن، بالفعل، هناك الكثير من المحتوى غير الدقيق الذي يتم نشره عبر الإنترنت. هذا يمكن أن يأخذ الكثير من الأشكال المختلفة. فعلى سبيل المثال، غالبا ما يدلي الأفراد ببيانات خاطئة على فيسبوك أو غيرها من وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا يعد إلى حد ما، مثل الثرثرة في المقهى، والتي لا نأخذها على محمل الجد. ولكن لسبب ما يأخذ الناس الأمر على محمل الجد عندما يكون متصلاً بالإنترنت. أيضا هناك إمكانية إعادة مشاركة هذه البيانات غير الدقيقة مع أناس آخرين، مما يجعلها تبدو أكثر مصداقية.
ولكن في حالات أخرى، يقوم الأفراد أو الشركات أو حتى البرامج التي تسمى أحيانا “البوتات” (روبو الإنترنت) بتعميم المعلومات التي يعرفون أنها غير دقيقة مع نية صريحة لإرباك الأشخاص. في رأيي، هذا هو المعنى الحقيقي لـ “الأخبار الزائفة”. فقد يكون لديهم أهداف مختلفة، مثل جعلك تشتري شيئا لا تريده حقا.
والحالات الأكثر خطورة هي حين يحاولون إرباكك لأسباب سياسية، مثل جعلك تصوت بطريقة أو بأخرى في الانتخابات. لقد بدأ هذا يشكل تهديدا حقيقيا على الحياة السياسية، ونحن بحاجة إلى التفكير مليا في كيفية التعامل مع هذا الوضع. المشكلة هي أن الحلول ليست واضحة في الوقت الحالي. نحن بحاجة إلى مزيد من الأفكار البحثية بهذا الخصوص.

هل هناك طريقة لضمان الحرية على الإنترنت وضمان الحقيقة كذلك؟
في حقبة ما قبل الإنترنت، كان مناصرو حرية التعبير يقولون إن أفضل إجابة عن “الكلام السيئ” هي التعبير أكثر، وأن حرية التعبير هي أفضل طريقة لاكتشاف الحقيقة. لقد بدأنا ندرك أنه في العصر الرقمي قد لا يكون هذا هو الحال دائما، وأن الجهات القوية قد تكون قادرة على استغلال الطريقة التي تعمل بها التقنيات الرقمية للتشويش على الناس وتشجيع انتشار البيانات غير الدقيقة. أعتقد أننا سنجد طريقة لحماية الحرية على الإنترنت وحماية الحقيقة في الوقت نفسه. العديد من الجهات الفاعلة تبحث عن حلول. نحن بحاجة إلى مواصلة العمل بشأن هذه المسألة، خصوصا وأنه لا توجد حلول سهلة.

ظهور «الأخبار الزائفة». كيف سيؤثر هذا على الرأي العام؟

أعتقد أننا بحاجة إلى توخي الحذر الشديد في استخدم مصطلح “أخبار زائفة”. فهو مصطلح يستخدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مثلا، للإشارة إلى التقارير الإعلامية التي توجه نقدا لاذعا، ولكن هذا النقد دائما ما يكون صحيحا في جوهره. كما يستخدم ترامب هذا المصطلح في الغالب للإشارة إلى وسائل الإعلام الجادة. ومرة أخرى أقول إن الحقيقة هي أن تقارير هذه الأخيرة دقيقة إلى حد كبير من حيث الجوهر، وأن درجة الدقة في إعدادها لم تتغير بشكل كبير في السنوات الأخيرة. لكن، بالفعل، هناك الكثير من المحتوى غير الدقيق الذي يتم نشره عبر الإنترنت. هذا يمكن أن يأخذ الكثير من الأشكال المختلفة. فعلى سبيل المثال، غالبا ما يدلي الأفراد ببيانات خاطئة على فيسبوك أو غيرها من وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا يعد إلى حد ما، مثل الثرثرة في المقهى، والتي لا نأخذها على محمل الجد. ولكن لسبب ما يأخذ الناس الأمر على محمل الجد عندما يكون متصلاً بالإنترنت. أيضا هناك إمكانية إعادة مشاركة هذه البيانات غير الدقيقة مع أناس آخرين، مما يجعلها تبدو أكثر مصداقية. ولكن في حالات أخرى، يقوم الأفراد أو الشركات أو حتى البرامج التي تسمى أحيانا “البوتات” (روبو الإنترنت) بتعميم المعلومات التي يعرفون أنها غير دقيقة مع نية صريحة لإرباك الأشخاص. في رأيي، هذا هو المعنى الحقيقي لـ “الأخبار الزائفة”. فقد يكون لديهم أهداف مختلفة، مثل جعلك تشتري شيئا لا تريده حقا.
والحالات الأكثر خطورة هي حين يحاولون إرباكك لأسباب سياسية، مثل جعلك تصوت بطريقة أو بأخرى في الانتخابات. لقد بدأ هذا يشكل تهديدا حقيقيا على الحياة السياسية، ونحن بحاجة إلى التفكير مليا في كيفية التعامل مع هذا الوضع. المشكلة هي أن الحلول ليست واضحة في الوقت الحالي. نحن بحاجة إلى مزيد من الأفكار البحثية بهذا الخصوص..

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي