أخنوش يلعب في الوقت بدل الضائع

12 نوفمبر 2018 - 13:38

منذ أسابيع وعزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، يحاول بكل ما أوتي من حملات إعلامية، الوقوف على رجليه من جديد، بعد الضربة الموجعة التي وجهتها له حملة المقاطعة، وما رافقها من نقاش سياسي واجتماعي، جعله وسط إعصار، عصف بصورته، وربما، بسيناريو تمكينه من السيطرة على الحكومة  المقبلة، من موقع الرئاسة.

قد يكون الحديث عن أخنوش بعد كل ما وقع، مملا وغير ذي إقبال واهتمام، لكن ثمة حقائق كثيرة وجب التذكير بها لتوثيقها وإعادة موضعتها على سبورة الأحداث، حتى تساهم في تعميق الفهم، وتجويد التفكير في المستقبل القريب الذي ينتظر البلاد.

كان تنصيب عزيز أخنوش رئيسا لحزب « الأحرار » في أكتوبر 2016 حدثا مثيرا في المشهد السياسي المغربي، ومرد الإثارة إلى معطيات موضوعية تحكمت فيها نتائج الانتخابات في بداية الشهر نفسه، والتي لم تمنح الأحرار سوى 37 مقعدا لا تكفي بمنطق الأرقام للعب دور حاسم في مفاوضات تشكيل الحكومة، ومعطيات ذاتية تتعلق بأخنوش نفسه، الذي رُسمت له أمام الرأي العام، صورة وزيرٍ « دائم » غير معني بحسابات الأحزاب والانتخابات.

في إطار هذه الصورة، استفاق المغاربة يوم فاتح يناير 2012 على قصاصة عممتها وكالة المغرب الغربي للأنباء، يعلن فيها السيد أخنوش عن استقالته من حزب التجمع الوطني للأحرار، بعدما كان قد التحق به في أكتوبر 2007 دون سابق تجربة حزبية. طبعا، كان ذلك تمهيدا لإعادة تعيينه وزيرا في حكومة عبدالإله بنكيران، التي تم الإعلان عنها بعد يومين فقط، من تاريخ نشر خبر استقالة أخنوش.

ولمزيد من التدقيق من أجل التوثيق، وجب التذكير بأن قصاصة وكالة الأنباء الرسمية المعممة حول استقالة أخنوش، أشارت إلى « أنه لن ينضم إلى أي حزب سياسي آخر »، لكنها أكدت على أنه « مقتنع بأن التجمع الوطني للأحرار سيواصل الاضطلاع بدور محوري في المشهد السياسي المغربي ».  طويت هذه الصفحة وتعامل المهتمون مع أخنوش كوزير تكنوقراط في حكومة يقودها شخص يتنفس السياسة، لكن ما كان يجري خلف الكواليس، كان أخنوش يلعب فيه أدوارا أخرى مدافعا عن مصالح شركاته، وعن مصالح شركات أخرى.

مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية لسنة 2016، وظهور مؤشرات قوية لاستمرار حزب العدالة والتنمية في الصدارة، أخرج أخنوش ورقة شبيهة بورقة 2012، حيث أكد في خرجة إعلامية مرتبة في شهر غشت 2016، أنه لن يعود إلى حزب الأحرار، ولن يترشح للانتخابات، وأنه سيواصل مهمته كوزير للفلاحة فقط، وبقية القصة يعرفها الجميع.

هذه التصريحات والمعطيات وحدها تكفي لنزع المصداقية عن أخنوش، وعدم تصديق أي كلمة مما يقول، وعدم الثقة في أي مسار يعلنه أو يبشر به، وفي الحقيقة هذا ما وقع بالضبط، ليجد نفسه يجري وحيدا في مضمار لا عدائين فيه، معتقدا أن الوصول إلى السيطرة على الحكومة أصبح قاب قوسين أو أدنى، وأن شروط « الديمقراطية الليبرالية » المركزة على الواجهة، متوفرة وأنه باستقطاب جيش من الأعيان القادرين على ربح الانتخابات بالوسائل المعروفة، ستكون الطريق سالكة أمامه.

لكن توالي الأحداث وتفاعل الديناميات، كشفا أن الوصول إلى الحكومة قد لا يكون صعبا، وإنما الصعوبة تكمن في إقناع المواطنين ومخاطبتهم بلغة يفهمونها، بما يسمح بالحفاظ على توازن معين بين الدولة والمجتمع، ولعب دور في تأطير النسبة الأكبر من الشارع، حتى لا يختل هذا التوازن وتكون الدولة عرضة للاهتزاز غير المحسوب العواقب، كما عبرت عنه أحداث الحسيمة وجرادة وغيرهما، وما يقع هذه الأيام بسبب تغيير توقيت المملكة.  إن الذين راهنوا على أخنوش في البداية غامروا في الحقيقة بمستقبل البلاد، لكن الظاهر من خلال عدد من المؤشرات، أن هذا الرهان أوقفته حملة المقاطعة، والدليل هو أن خطاب أخنوش بعد هدوء المقاطعة أمام شباب حزبه بمراكش في نهاية شتنبر 2018، كان في العمق عرض خدمات من جديد، وفق دفتر تحملات حاول أن يكون فيه دقيقا، متحدثا عما يشبه وعودا وأرقاما قدم نفسه قادرا على الحصول عليها خلال الانتخابات المقبلة، لمنافسة أرقام حزب العدالة والتنمية القوة الانتخابية المحرجة للسلطة.

مؤشر إضافي يكشف أن الرهان على أخنوش لم يعد قائما يتعلق، بحديث الملك عن قطاع الفلاحة، في خُطبِه الأخيرة، ودعوته إلى الانكباب على جعله قطاعا منتجا للشغل خاصة للشباب بالعالم القروي، وهذا يحمل إشارات حول فشل مخطط المغرب الأخضر الذي يشرف عليه أخنوش منذ سنة 2007، أو أنه لم يحقق كل أهدافه، وقد تكون أمام أخنوش فرصة أخيرة لإثبات جدارته، أو سيغادر، أحد الموقِعين، إما رئاسة الأحرار أو وزارة الفلاحة.

على العموم، عزيز أخنوش يلعب هذه الأيام في الوقت بدل الضائع، قد يجعل منه فرصة أخيرة، وقد يكون الأمر مجرد تدبير لما قبل الإعلان عن نهاية المباراة، التي لم يملك من الجدية والمصداقية السياسية، ما يكفي للتعامل مع تقلباتها.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

bassou منذ 5 سنوات

في غياب القط يمكن لكل الفئران السياسية أن تستأسد في البيت

التالي