ياموت: الخلاف المغربي ـ السعودي ناتج عن تحول جوهري في صناعة القرار السعودي

18 فبراير 2019 - 07:00

بعد الحديث عن استدعاء السفير المغربي في السعودية، جرى الحديث عن عودته إلى عمله الاثنين الماضي، هل معنى ذلك أن الخلاف طُوي؟

يمكن القول إن ما وقع بين السعودية والمغرب مؤخرا، هو خروج عن المألوف الدبلوماسي بين البلدين. ذلك أن البرودة التي تعيشها العلاقات بين البلدين، ظهرت بوادرها في سنة 2017، ويبدو أن تفاقم الخلاف ناتج، أساسا، عن التحول الجوهري في طريقة صناعة القرار الدبلوماسي السعودي، والتي أهملت «تقليد» التشاور والتشارك مع الحلفاء الذي مارسته السعودية مع المغرب لمدة عقود من الزمن؛ خصوصا فيما يتعلق بالقضايا الكبرى، دبلوماسية كانت أم ذات طبيعة عسكرية.

ولذلك، فالخلاف الذي ظهر لا يتعلق ببعض القضايا الهامشية التي أثارها الإعلام مؤخرا، ولكنه في الحقيقة يهم طبيعة الشراكة، ومدى احترام الطرفين لوزن ودور الطرف الآخر في صناعة القرار، بالنسبة إلى القضايا الاستراتيجية المشتركة.

هناك وقائع عديدة تؤكد وجود أزمة، لكن هل يمكن تفسير ذلك بصعود محمد بن سلمان، وبالتالي بوصول جيل جديد إلى السلطة في الخليج؟

العلاقات الدبلوماسية تتأثر بالقيادات السياسية بدون شك. لكن العلاقات السعودية المغربية هي علاقات «فوق دبلوماسية»؛ لأن ما هو دبلوماسي فيها يختلط بالعائلي، وبالمصالح الاقتصادية للدولتين والقيادتين السياسية. كما يتعلق الأمر بتشابك وتعاون فوق العادة من الناحية العسكرية، والأمنية…

والأزمة الحالية لا تتعلق بفرد معين، بل بطبيعة السياسة الخارجية للسعودية بعد سنة 2015، والتي تأتي في سياق صراعات قوية داخل منظومة القوى الكبرى؛ خاصة بين الصين وروسيا من جهة؛ وبين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وحلف الناتو من جهة ثانية. وكذلك طبيعة التحولات الإقليمية بالشرق الأوسط، والبحر الأبيض المتوسط، والتي تعرف تزايدا للنفوذ الروسي، وبروز بوادر لتشكل محور «روسيا، إيران وتركيا».

فالمغرب تشكلت عنده رؤية مخالفة لما تراه المملكة العربية السعودية، على المستوى الدولي والإقليمي. ويظهر هذا في ما يتعلق بسوريا ومستقبلها، وبأفق القضية الفلسطينية، ويمتد الخلاف ليشمل الهدف من حرب اليمن، وما يجري بليبيا من حرب أهلية. وما يتعلق بمستقبل مجلس التعاون الخليجي، وبعض القضايا في غرب إفريقيا، وأمريكا الجنوبية…

ماذا تريد السعودية، تحت حكم ابن سلمان، من دولة حليفة مثل المغرب؟

لا بد من التأكيد أن العربية السعودية قائدة المنظومة العربية منذ الثمانينيات، من القرن 20؛ فرغم الضجيج الإعلامي المتعلق بدور مصر المزعوم، إلا أن السعودية كانت هي القائدة الفعلية للنظام العربي الرسمي دوليا لحوالي ثلاثة عقود من الزمن. وقد كرست السعودية هذا الأمر بقيادتها لمنظومة مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيس المجلس 1981؛ غير أن هذا الوضع أخذ في الـ 10 سنوات الأخيرة يتغير لصالح الدور الكبير الذي تلعبه دولة قطر والإمارات العربية على المستوى العربي والدولي.

وفي ظل هذا المتغير تريد السعودية من المغرب، الالتزام برؤيتها للواقع الدولي والعربي؛ وألا «يشوش» على المسار الجديد الذي رسمته القيادة بالرياض منذ 2016، لضمان استمراريتها، في قيادة الفعل العربي داخل المنظومة الدولية الحالية. وعليه، يجب فهم رفض السعودية لموقف وسياسة المغرب المتعلقة بحصار قطر، باعتباره رفضا من السعودية لمنظومة خليجية وعربية برؤوس متعددة.

ماذا عن تداعيات الأزمة على العلاقات بين البلدين مستقبلا؟

يبدو أن كلا الطرفين يتمرنان على قواعد جديدة تتساوق والواقع الدولي والعربي، وما يشهده من تناقض المصالح بين الشركاء التقليدين. غير أن كل من المغرب والسعودية لا يملكان حاليا، خيارات عديدة أفضل من الشراكة القائمة بينهما تاريخيا في جميع المجالات؛ وهذا ما دفع صانع القرار السياسي في الرياض والرباط، بالاكتفاء، حاليا، بإدارة أزمة دبلوماسية حقيقية، دون البحث عن حل جذري للأسباب الحقيقية التي أشعلت فتيل الأزمة التي خرجت إلى العلن منذ 2017.

وإذا لم يقم الطرفان بمجهود حقيقي وعميق، لتطوير آلية اشتغالهما في الواقع الدولي المعقد والمتشابك؛ فإن الأزمات المقبلة، ستكون أشد من تلك التي عرفتها العلاقة بين البلدين في النصف الثاني من 2017 م، وهذه الأزمة الأخير في فبراير 2019..

وهل تصب الأزمة مع السعودية في صالح قطر وتركيا؟

بالنسبة إلى العلاقات المغربية القطرية، لا بد من التنبيه إلى أن المغرب، ووفقا لمصالحه ورؤيته لدوره الإقليمي والإفريقي، دخل في تفاهمات وتعاقدات مع كل من السعودية والإمارات العربية وقطر؛ غير أن شل منظومة التعاون الخليجي وحصار قطر، شكل ضربة قاسية للسياسة المغربية بإفريقيا؛ وكذا الاستراتيجية المغربية الجديدة المتعلقة بالطاقة، ومن ضمنها مشروع أنبوب الغاز المغربي النيجيري.

وإذا استعملنا هذا المؤشر للتفسير؛ فسنجد أن المغرب متمسك بالتعاون الاستراتيجي مع قطر، لأن المملكة المغربية، تريد أن تتحول إلى دولة عبور، وفي الوقت نفسه منتجة ومخزنة للغاز؛ وبالتالي فهي تحتاج إلى شريك عالمي. وبما أن المغرب وقطر، لهما تفاهمات ومصالح كبرى مشتركة تعلق بالسياسة بالطاقية، ولأن قطر مستعدة لدعم المغرب ماديا ببناء مشاريع واستثمارات مشتركة في هذا الجانب، فمن الطبيعي أن يتمسك المغرب بعلاقاته المتنامية مع الدوحة، سواء تداخل ذلك مع بعض حلفائها كتركيا، أم لا.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي