سليمان الريسوني يكتب: جمعية بعشرة أحزاب

11 مايو 2019 - 22:40

قد يقع هذا العنوان بردا وسلاما على المشتعلين حنقا عليها، ويقولون هذه شهادة أخرى بأن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تمارس السياسة، بل وتفرط في ممارستها. والحقيقة أنني طالما أخذت هذا الاتهام على محمل الجد ومحك التحقيق والتحليل، وخلصت إلى أن من يرمون الجمعية بتسييس مواقفها، إنما يصدرون عن رهان كان لديهم على تسيسها وفشل. كيف ذلك؟ بعد إنهاك اليسار الذي انخرط مع الدولة في تجربة التناوب التوافقي، وإفراغ منظماته النقابية والحقوقية من أي دور مدني، ثم احتواء جزء من اليسار السبعيني داخل حزب الأصالة والمعاصرة، وغيره من آليات ومؤسسات الدولة وضمنها الحقوقية، لمواجهة الإسلاميين على قاعدة حداثة دون ديمقراطية، كان هناك رهان على انخراط ما تبقى من يسار ممانع في معركة كسر عظام الإسلاميين، أو على الأقل تحييده، بحيث يتخذ موقفا شبيها بالذي عبَّر عنه ميناحيم بيغن، بعد مجزرة صبرا وشاتيلا: «غيرُ اليهود قتلوا غيرَ اليهود، فما دخل اليهود؟». لكن خرجت لهم الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تقول: «هناك تجاوزات حقوقية في ملفات 16 ماي. هناك خروقات طاولت جماعة العدل والإحسان. هناك تعسف على المعتصم والمرواني وحزبيهما. هناك متابعة متعسفة ومحاكمة غير عادلة لشباب العدالة والتنمية المعتقلين على ذمة مقتل السفير الروسي في أنقرة»… فأشهروا في وجهها الورقة الحمراء، وهم يقولون: «لقد لمستِ كرة حقوق الإنسان بيد السياسة وسوف نعاقبك». والحقيقة أن غض الطرف عن مثل هذه الملفات الحقوقية، هو السياسة.

في هذا السياق، بدأ التفكير في حل الجمعية، وسحب صفة المنفعة العامة منها، لكن تبين أن كلفة ذلك ستكون كبيرة وغير ذات جدوى، أولا، بالنظر إلى إشعاعها الدولي الكبير، وثانيا، لقدرة أعضائها على العودة بسرعة إلى نظام العمل التطوعي، والانتشار داخل جمعيات ولجان ومجموعات عمل مرنة، لأنهم بقدر ما استطاعوا تأسيس جمعية قوية، تمكنوا من إرساء منهجية اشتغال حقوقية تمكنهم من زرع روح اشتغال AMDH وسط أي منظمة أو لجنة وُجدوا فيها. لذلك، جرى المرور إلى تخيير المنظمات المانحة بين الاشتغال مع مؤسسات الدولة وبين الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فوجدت الجمعية، بين عشية وضحاها، كل شركائها الدوليين، دون استثناء، يعتذرون إليها عن عدم التعامل معها، ثم فوجئت بالإدارات تسحب من مقرها الموظفين الذين كانوا رهن إشارتها، وبالسلطات ترفض تسليم حوالي 50 من فروعها وصول الإيداع… فما الذي حدث؟ استمرت الجمعية، كأن شيئا لم يحدث.

سألت مرة قياديا بارزا في الجمعية: «كيف يبتدئ أحمد الهايج يومه؟»، وكنت أتوقع أن يجيبني بأن الرئيس يستقبل الوافدين على مقر الجمعية، أو يقرأ الشكايات أو التقارير، لكنه أجابني: «يدخل إلى المطبخ ويغسل الكؤوس والأباريق التي تراكمت من اجتماعات اليوم السابق، قبل أن يسأل عن جدول أعمال اليوم». لقد أصبح مقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مثل ديوان مظالم؛ يستقبل عائلات السلفيين المعتقلين، وطلبة الشرطة المفصولين، وأعضاء حركة مالي المدافعة عن الحريات الفردية والإفطار العلني في رمضان، والأساتذة المتعاقدين، والممثلين والمخرجين السينمائيين الذين يعرضون أفلامهم ضمن النادي السينمائي للجمعية. حتى بعض النساء اللواتي استُعملن في اعتقال ومحاكمة الصحافي توفيق بوعشرين، أرسلتهن الجهة التي تحركهن إلى مقر الجمعية، فجرى استقبالهن بكل احترام والاستماع إليهن بعناية. لكن الجمعية، التي تتوفر على منهجية واضحة في الاشتغال، ما لبثت، وإن متأخرة، أن شكلت قناعتها في هذه القضية، والتي عبر عنها بيانها الختامي الصادر قبل يومين: «المحاكمة التي تعرض لها الصحافي توفيق بوعشرين محاكمة غير عادلة واعتقاله تحكمي».

لذلك، فعندما قلت إن AMDH جمعية بعشرة أحزاب، فلأنها أصبحت تستقبل الكثير من الملفات التي كانت الأحزاب والنقابات تضطلع بمعالجتها. لكن، بعدما ابتعدت أغلبية الأحزاب عن المواطنين، وبعدما تحول كثير من زعماء النقابات من عمال إلى باطرونات، كان لا بد أن يملأ الشارع الفراغ، وأن تتكفل جمعية جادة، من قبيل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بالباقي.

هناك مسألة تحرج AMDH كثيرا، وهي موقفها من قضية الصحراء، حيث تلام على عدم تبنيها الصريح أطروحة مغربية الصحراء. لكن الجمعية تقول إنها تعبر عن موقف حقوقي وسط، بين الموقف الرسمي والموقف الأممي، وإن هذا الموقف هو نفسه الذي يدافع عنه المغرب في الخارج، أي إيجاد حل ديمقراطي للمشكل القائم منذ عشرات السنين، وإن هذا الموقف الذي تلام عليه من لدن مسؤولي الدولة، تُعاتَب عليه، أيضا، من لدن دعاة حق تقرير المصير، وطنيا ودوليا، وفي مقدمتهم مسؤولون داخل منظمة العفو الدولية الذين يطالبون الجمعية بالتزام الموقف الحقوقي الأممي في هذا الصراع، أي القول بتقرير المصير. هذه هي الجمعية التي تساءل الزميل، علي أنوزلا، مرة: «لنتصور مغربا دون الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، كيف سيكون؟».

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي