تحت خط النار..شهادات مؤثر لمغاربة يعيشون الحرب في ليبيا: قصف ورعب وأحلام ضائعة

18 مايو 2019 - 12:39

تعيش ليبيا منذ أشهر على إيقاع تجدد معارك القتال في مختلف مناطقها وأساسا في العاصمة طرابلس، ما خلف مأساة إنسانية قدرت المنظمات الدولية ضحاياها بالمئات، وهي المأساة التي أرخت بظلالها على المغاربة المقيمين في ليبيا، أغلبهم هاجروا إليها قبل سنوات في عهد نظام معمر القذافي بنوا حياتهم واستقروا، ووجدوا أنفسهم بعد الثورة في 2011، في بلد يفتقر للأمن والاستقرار، ويعيشون تحت خط النار في ليبيا.

على مدى الأيام القليلة الماضية، وتزامنا مع استمرار قصف قوات المشير خليفة حفتر للعاصمة الليبية، استقى “اليوم 24” شهادات عدد من المقيمين المغاربة في ليبيا، من طرابلس ومدن أخرى، شهادات تعكس معاناتهم في الاستمرار في العيش في ليبيا، في ظل تردي الأوضاع الأمنية للبلاد، وتظهر أن تردي الأوضاع الأمنية في ليبيا لا تفرق بين ليبي ومغربي على أراضيها، وأن القذائف والقنابل، لا تفرق بين رؤوس الأشهاد.

عائلة وسط الخوف

تحدثت لـ”اليوم 24″ عائلة مغربية تعيش في مدينة سبها جنوب شرق ليبيا، منذ تسعينيات القرن الماضي، أم وستة من أبنائها كانوا قد أقاموا في البلاد منذ سنوات، عندما كانت ليبيا مستقرة، حيث تمكن جل الأبناء من الحصول على شهادات جامعية عالية، أهلتهم لدخول الوظائف العمومية في المؤسسات الليبية، أطر ودكاترة، إلا أن الحرب غيرت مجرى حياتهم.

العائلة التي تحفظت على ذكر اسمها –لأسباب أمنية- تقول إن الوضع في ليبيا خلال السنوات الأخيرة تغير كثيرا، بسبب غلاء المعيشة، وتردي الوضع الأمني، حيث يقولون إنه لم يعد من الممكن السفر من مدينة إلى أخرى، ويعيشون فيما يشبه الإقامة الجبرية داخل مدينة محددة.

يقول أفراد العائلة، رغم أنهم ليسوا في بؤرة معارك القتال الدائرة حاليا، إلا أن ضعف الأمن تزايد بشكل كبير مؤخرا، حيث أصبح من المستحيل السفر من مدينة إلى أخرى، يقولون إنهم سمعوا عن قصص مسافرين سقطوا في يد ما يعرف بـ”الحواجز الوهمية”، وهي حواجز يزعم مقيموها أنهم تابعون للسلطة، إلا أنهم في كثير من الأحيان يكونون تابعين لميليشيات، يسرقون ويعتدون على المسافرين.

مغاربة لسنوات بلا جوازات سفر في ليبيا

معاناة العائلة المغربية في سبها لا تتوقف عند هذا الحد، يقولون إن معاناتهم تتفاقم بسبب ما يصفونه بالتجاهل الذي تقابل به هموم الجالية المغربية في ليبيا من طرف المسؤولين.

تقول العائلة المكونة من ستة أبناء وأم، إن جوازات سفرهم المغربية والتي لا يملكون غيرها، لم تجدد منذ سنة 2016، بسبب غياب تمثيلية دبلوماسية للمغرب في ليبيا، واستحالة وصولهم لنقطة رأس جدير الحدودية مع تونس، حيث تضع سفارة المغرب في تونس مكتبا مخصصا لاستقبال الجالية المغربية  في ليبيا، وهي النقطة التي تقول العائلة إنه من المستحيل أن تصل إليها، لأن الطريق إلى حدود تونس أشبه برحلة مستحيلة، حيث يمكن أن تقابل المسافر ما يعرف بـ”البوابات الوهمية”، وهي فرق مسلحة يمكن أن تعترض سبيل المسافرين.

مشكل تجديد جوازات السفر، الذي تعاني منه العائلة وعدد كبير من مغاربة ليبيا، تقول الأم يهدد حياتهم في أي لحظة، لأن أبناءها الذين يشتغلون في مؤسسات ليبية، مطالبين بجوازات سفر سارية لتجديد عقود عملهم، وهو ما تحكيه بحرقة وتقول “غادي يجلسولي فالدار بلا خدمة”.

الإبن البكر للعائلة، والذي يشتغل دكتورا في إحدى مستشفيات سبها، حكا لـ”اليوم 24″، جزءا آخر من القصة، حيث قال إنه بعد الأحداث التي عرفتها ليبيا قبل سنوات، حاولت العائلة العودة للمغرب، استأجرت غرفة في فندق، غير أنها لم تكمل شهرا في المغرب وعادت إلي ليبيا، بعدما وصلت أفرادها إلى قناعة استحالة إعادة البناء من الصفر في المغرب، ليقرر الجميع العودة إلى ليبيا التي أمضوا فيها أكثر من عشرين سنة.

أيادي مغربية في فرق الإنقاذ الليبية

فيما اختار عدد من المغاربة المقيمين في ليبيا التصريح بدون ذكر أسمائهم، خرج طيب محمد الحيمري، بتصريح بوجه وإسم مكشوفين، بعدما اختار هذا الرجل الستيني منذ سنة 2011 الاشتغال ضمن فرق الإغاثة للهلال الأحمر الليبي بالعاصمة طرابلس.

يقول الحيمري في حديثه لـ”اليوم 24″، إنه في الوقت الذي اختار الكثيرون المغادرة بعد سقوط النظام السابق، اختار هو البقاء رفقة أولاده وأحفاده، معتبرا أن قراره هو “وفاء من الجالية المغربية لليبيا”.

يقول الحيمري إن عمله ضمن أطقم الإغاثة خلال الحرب عرضه لما يتعرض له باقي الليبيين المشتغلين بها، يقول إنه اختطف ثلاث مرات وهو يؤدي واجبه الإنساني، ورمي بالرصاص، ولكنه لا زال متشبثا بمهمته.

يشدد الحيمري على أن المغاربة في ليبيا ليسوا طرفا في الأحداث، لذلك اختار الاشتغال مع فرق الإغاثة لتغليب مصلحة الإنسان أيا كان انتماؤه حيث يقول “اخترت الهلال الأحمر لحياده لأن المغاربة ليسوا طرفا في النزاع، ولا أنظر لعائلتي وإنما للآلاف الذين يمكننا مساعدتهم”.

إلى جانب المغاربة المقيمين في ليبيا، الذين لا زالوا يعانون تحت خط النار في بلد اشتعل حربا منذ سنوات، أكدت مصادر أن مغاربة آخرون، قتلوا في صمت خلال الأحداث الأخيرة التي عرفتها العاصمة طرابلس.

مغاربة قتلوا تحت القصف

مصادر مطلعة أكدت لـ”اليوم 24″ أن ستة مغاربة قتلوا في قصف في ضواحي العاصمة طرابلس قبل أيام، مؤكدة أن الضحايا هم عمال خلف خزانات النفط بطريقة المطار، وقتلوا في قصف لبيتهم.

تشير ذات المصادر، إلى أن الضحايا نقلهم مغاربة إلى المستشفى، إلا أنه كانوا مجردين من هوياتهم، ما جعل السلطات الليبية غير قادرة على إعلان جنسياتهم، فيما لا زالت تقابلها صعوبة تحديد هوياتهم.

قصة المغاربة الستة لم تكن الوحيدة في مآسي ليبيا الأخيرة، بل أكدت مصادر لـ”اليوم 24″ أن شابا مغربيا مقيما في ليبيا، قتل قبل أيام في طرابلس بعدما أصيب برصاصة طائشة، أثناء اشتباكات مسلحة في مكان قريب منه.

مغربية  تصرخ : “الحرب فوق راسي”

مغربية أخرى من سكان ليبيا في زمن الحرب، تقول إن معاناتها في البلاد تفاقمت أثناء تعرضها لحادث سير وهي عائدة من المكتب القنصلي المغربي في رأس جدير إلى منطقة سوق الخميس حيث تقطن، لتجد نفسها مع أطفالها في وضع صحي صعب جدا.

تقول المغربية إن الحادث الذي تعرضت له أقعدها، وتفاقمت معاناتها بالحرب الدائرة في المنطقة، حيث تقول “الحرب فوق راسي وشهر ماقدرتش نرجع للمستشفى”.

تأمل المواطنة المغربية المتزوجة من سوداني، أن تتمكن من استخلاص جوازات سفر مغربية لأبنائها.

مغاربة لا زالوا يهاجرون إلى ليبيا للعبور إلى إيطاليا

ورغم الحرب، ومعاناة الذين ساقتهم الأقدار في زمن مضى إلى ليبيا، لا زال مغاربة آخرون يختارون الهجرة طوعا إليها، رغم أن الرحلة محفوفة بالمخاطر.

وكشفت معطيات حديثة، عن وجود تسعة مغاربة ضمن قارب للهجرة غير الشرعية انطلق من مدينة زوارة الليبية بنية الرسو في إيطاليا، إلا أن القارب تعرض للغرق في السواحل الليبية، وتسبب في مأساة جديدة للمهاجرين في عرض المتوسط، بمقتل ما يقارب 70 مهاجرا من ضمنهم ثمانية مغاربة،  وهي المأساة التي خلفت ناجيا مغربيا وحديا، خرج بتصريحات يحكي فيها تفاصيل عن “رحلة الموت”.

يشار إلى أن تردي الأوضاع الأمنية في ليبيا خلال السنوات الأخيرة، أنعش مافيا الهجرة غير الشرعية، ما فتح أعين عدد من الشباب المغاربة للسفر إلى ليبيا عبر الجارة الشرقية الجزائر، طمعا في الوصول إلى إيطاليا من البوابة المتوسطية لليبيا.

وعن المهاجرين المغاربة، تدخلت الحكومة المغربية خلال السنة الأخيرة لإعادة المئات منهم، بتعاون مع منظمة الهجرة الدولية في إطار برنامج العودة الطوعية، إلا أن آخرين، منهم من سقط في أيدي الميليشيات، ومنهم من لا زال في مراكز الهجرة غير الشرعية، لا زالوا يواجهون الأخطار التي تواجه الليبيين في هذه الأيام العصيبة، فيما قضى الكثيرون منهم، بأعداد غير معروفة، غرقا في رحلة الهجرة نحو إيطاليا.

 

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي