قصة جهادي مغربي قاده الفشل في الحب إلى داعش والجدة تطالب باسترجاع أحفادها

18 مايو 2019 - 21:00

“أمي أتصل بك لأستودعك الله. أنا ذاهب للقيام بالجهاد، سنلتقي في الجنة”، كانت كلمات الوداع الأخير التي نزلت كالصاعقة على الأم/ الجدة المغربية حفيظة داداس، بعدما تلقت اتصلا هاتفيا من ابنها الجهادي المغربي محمد الورياشي، في دجنبر سنة 2014، عبر تطبيق “واتساب”، من الأراضي التي كانت يسيطر عليها التنظيم الإرهابي “داعش” في سوريا في ذلك الإبان، تاركا وراءه ثلاثة أطفال أيتام لازالوا يعيشون إلى يومنا هذا في مخيم “الهول” التابع لقوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا. لهذا تطالب الأم السلطات الإسبانية والمغربية بمساعدتها على استرجاع أحفادها، لا سيما وأنهم يعانون اليتم الكلي بعد أن فقدوا، كذلك، والدتهم حنان المتحدرة من مدينة الفنيدق في المعارك الأخيرة لداعش في بلدة الباغوز قبل سقوطه.

عندما شاع في وسائل الإعلام الدولية، في الأيام الأخيرة، خبر مأساة أربعة أطفال أيتام مغاربة في مخيم “الهول” في سوريا، لا حول لهم ولا قوة، باستثناء جهادية مغربية ترعاهم، كانت صديقة لوالدتهم، في انتظار ترحيلهم إلى الفنيدق أو مدريد؛ اتصلت مغربية بصحيفة “إلباييس” الإسبانية التي كانت السبّاقة إلى نشر الخبر قائلة: “أنا جدة الأطفال الأيتام الذين ترعاهم لونا فيرنانديث”. هذه الأخيرة أكدت من مخيم “الهول” أنها تبنت مؤقتا أربعة أطفال مغاربة على غرار أطفالها الأربعة.

“إنهم أطفال ابني محمد”، تقول الجدة حفيظة، قبل أن تستدرك بحرقة: “أعرف أنه لقي حتفه، لكن استرجاع أحفادي هو الشيء الوحيد القادر على تخفيف معاناتي”. تبلغ من العمر 54 عاما، انتقلنا من المغرب إلى مدريد قبل 25 عاما، حيث رأى ابنها محمد النور وترعرع ودرس واشتغل. تحكي أنها سبق ورأت حفيدها البكر في فيديو مصور في مخيم “الهول” التابع للأكراد. هذه الأم/ الجدة لا تكل من ترداد أسماء أحفادها والدموع تنهمر من مقلتيها: “هناك الحفيد البكر سليمان البالغ من العمر 7 سنوات، وفارس، 6 سنوات، وإسحاق، 5 سنوات؛ والرابع، اسمه داوود، يبلغ من العمر سنتان فقط. في الحقيقة، ليس من صلب ابني محمد، بل ولدته حنان مع شخص آخر مع وفاته”. وتابعت أن محمد سافر إلى تركيا في دجنبر 2014، كان يبلغ حينها 26 عاما، رفقة زوجته الراحلة حنان التي كانت تبلغ حينها 22 عاما، وطفليهما سليمان وفارس، قبل أن يتسللوا عبر الحدود إلى سوريا، حيث أنجبا إسحاق. بعد أربعة شهور، لقي محمد مصرعه، تاركا ثلاثة أطفال. هكذا تزوجت حنان من مقاتل آخر، يرجح أنه مغربي، وتنجب معه داوود. قبل عامين تقريبا، توفيت حنان وزوجها الثاني في معارك الباغوز، آخر معاقل داعش قبل سقوطه على الأرض، ما فرض على جهادية مغربية-إسبانية تُدعى “لونا فيرنانديث” سبق وسردت “أخبار اليوم” قصتها، تبنتهم مؤقتا.

ولا تخفي الجدة حفيظة خوفها على حياة أحفادها في ظل الظروف الصعبة في المخيمات التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، قائلة: “أنا الآن خائفة على أحفادي، خصوصا أنهم لا يستفيدون هناك من التطبيب ولا التغذية الكافية، والنظافة”، قبل أن تتوجه بسؤال مفاجئ للصحافي الذي كان يحاورها قائلة: “هل تعتقد أني سأسترجعهم قريبا”.

الصورة أعلاه من مخلفات ما تركه ابنها محمد في بيت الأسرة في الفنيدق قبل السفر إلى سوريا. وتوضح أنه أثناء تنظيف سرير ابنها في البيت العائلي بالفنيدق عثرت على مجموعة من الوثائق تركها محمد عمدا من بينها رسالة ووثائق تطبيب الأطفال لكي تتعرف عليهم في حالة وفاته هو وحنان، وهو ما كان. في دفتر ذكريات محمد عثرت تقريبا على كل ما كان ينوي فعله، إذ وصف كيف ستكون رحلته من الدار البيضاء إلى تركيا، وطريقة اللباس للولوج إلى “دولة الخلافة”، والأشياء التي يجب القيام بها قبل السفر. وعن أسباب تركه تلك الوثائق ترد حفيظة: “كان ذكيا جدا. كان يتوقع ما سيحدث، وأنني سأطالب باسترجاع أحفادي، لهذا ترك البطائق الطبية لأبنائه” المستصدرة من المستشفيات الإسبانية، والتي تضم كل المعلومات عنهم.

الاتصال الأول والأخير

تتذكر حفيظة اللحظة التي اتصلت بها أسرة حنان من المغرب لتخبرها باختفاء محمد رفقة أبنائه، ما جعلها تعيش في حيرة من أمرها إلى أن تلقت مكالمة هاتفية من ابنها، يطلب منها شراء هاتف جديد يضم تطبيق واتساب ليتحدث معها، وكذلك كان. بعدها اعترف لها قائلا: “أمي، أنا في سوريا، استعدادا للجهاد”، إذ لم تطل المكالمة كثيرا. وفي المكالمة الثانية والأخيرة عبر واتساب، أخبرها قائلا: “أمي، أتصل بك لأودعك”، وردت هي: “إلى أين أنت ذاهب، يا بني؟”، ويجيب: “إلى الجهاد. سنلتقي في الجنة”، وسألته هي: “لكن، لماذا الجهاد؟ وإلى أين أنت ذاهب؟، ويختم هو المكالمة: “أمي، يجب أن تكوني سعيدة، سنلتقي في الجنة”.

وتعتقد الأم حفيظة أن داعش غرر بابنها، مستغلا بعض الأزمات التي مر منها في السابق، لاسيما بعد فقدان زوجته المغربية السابقة وطفله في ظروف مأساوية، وفي هذا تقول: “وفاة ابني ألمتني كثيرا، لقد تعرض للخداع”، والآن تطالب باسترجاع أحفادها، كما أقرت أنها لازالت تتواصل مع عائلة زوجة ابنها بالمغرب، والتي ترغب كذلك في استعادة أحفادها.

جذور الأزمة

مأساة السفر والموت في معركة خاسرة دفاعا عن تنظيم إرهابي، ليست الأولى، بل سبقتها تراجيديا سابقة عاشها محمد قبل ظهور داعش سنة 2014. محمد المزداد في 3 مارس 1988 في حي “موراتالاث” بمدريد، حيث أكمل دراسته بمعهد “ماريانا بينيدا”، قبل أن يبدأ العمل في شركة للبناء والتركيب، لكنه ظل يتابع دراسته لكي يصبح شرطيا في إسبانيا، كما كان يستغل العطل للسفر إلى المغرب. في تلك الرحالات المتكررة إلى مدينة الفنيدق، التقى بشابة مغربية تمارس رياضة العدو الريفي. “كانت شقراء، جمالها يسر الناظرين”، تتذكر حفيظة. في الحقيقية، يتعلق الأمر بالشابة دليلة الميموني، التي كُتِب عنها الكثير بالصحافة الإسبانية، بعدما كانت أول حالة تصاب بإنفلونزا الخنازير بالجارة الشمالية.

بعد اللقاء الأول، قررا الزواج وانتقلت دليلة للعيش مع محمد في مدريد. مرت الأيام، وبينما كانت دليلة حاملا في شهرها السابع، ألمت بها وعكة صحية نقلت على إثرها إلى المستشفى، إذ اكتشف الأطباء أنها مصابة بإنفلوانزا الخنازير، وأن حالتها تتدهور، ليقرروا إجراء عملية ولادة قيصرية لها للحفاظ على الأقل على حياة الجنين. وقررا أن يطلقا عليه اسم “ريان”. لكن بعد الولادة بقليل توفيت دليلة يوم 30 يونيو 2009، ونقل محمد جثمانها إلى الفنيدق، حيث ووري الثرى. وبعد أسبوعين من وفاة دليلة، صدم محمد بوفاة “ريان”، وكان الحادث الذي غيّر حياته رأسا على عقب، بعدما كشفت التحقيقات أن ريان مات بسبب خطأ طبي، إذ بدل أن تغذيه الطبيبة المكلفة به عبر الأنف وليس عبر الوريد.

“كل هذا جعل ابني حزينا وضعيفا”، تبرر حفيظة سفر ابنها إلى سوريا بعد 5 سنوات من وفاة دليلة. ورغم أنه زار الطبيب النفساني بعد وفاة دليلة، إلا أنه كان يقول لوالدته: أمي، لا يمكنني العيش هنا”، لأن مدريد تذكره بحبه الأول (دليلة)، و”استمر على هذا الحال سنة ونصف تقريبا”، تقول حفيظة، قبل أن ينتقل نهائيا إلى العيش بالفنيدق، حيث تعرف على حنان وتزوجها، ونجب منها الأبناء الثلاثة الأيتام اليوم، في سوريا.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي