«الطفل أبو الرجل»!

21 مايو 2019 - 12:27

على جدران بعض الشوارع الرئيسية في طنجة، ظهرت مؤخرا ملصقات كتب عليها: “حملة لا للتبرج، اتقوا لله في شباب المسلمين، رمضان مبارك”. وإذا كانت الجهة التي تقف وراء هذه الملصقات لم تكشف عن نفسها، فإنها كشفت أن في رأس بعض المغاربة يختبئ داعشيون صغار، جاهزين للتحرك إذا ما أتيحت لهم الفرصة. هل المشكلة دائما في المرأة؟ بدل أن تشن حملة على النساء التي تعتبرهن “متبرجات”، لماذا لا تغض بصرك يا “بوركابي”؟ الملصقات الطنجاوية تؤكد أن النزعة الذكورية متأصلة في المجتمع: المرأة هي الشيطان والشيطان هو المرأة!

الغريب أن الظاهرة تتجدد كل رمضان، وتكشف أن “الحرية الفردية” ضرب من ضروب الخيال العلمي، مادام هناك من يصر على التحكم في الفضاء العام، باسم الدين والأخلاق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، دون أن يوقفه عند حده أحد. “بوركابي” يريد أن يظل الآمر الناهي في البيت وفي الشارع وفي كل مكان. علما أن الدعوة إلى لله لها أصولها وقواعدها وأهلها، والبلد له مؤسساته الدينية، من أنت حتى تتدخل في الشؤون الخاصة للمواطنات وتحدد نوع اللباس ووقت الدخول والخروج لبنات البلد؟

الطامة الكبرى أن كثيرا ممن لم يسبق لهم أن حطوا جبهتهم على الأرض، هم من يتزعمون مثل هذه الحملات، خلال الشهر الفضيل، قبل أن يعودوا إلى حياتهم العادية بمجرد ثبوت رؤية هلال شوال. وكثير ممن لا يستحضرون الدين إلا في شتائمهم، يتحولون إلى تُقاة دُعاة، يقضون وقتهم في “التبرگيك” وانتقاد عباد لله، والتدخل في شؤون النساء على الخصوص: “هادي دايرة الريحة، هادي طالية الماكياج، هادي لابسة قصير”… إنها “رياضة شعبية” يمارسها الكبار، ويتعلمها الصغار في مجتمع ذكوري يراقب النساء ويقيد حريتهن، ويعلّم الأولاد ممارسة العنف ضدهن في وقت مبكّر.

أيام الطفولة، كنا نتحول إلى داعشيين صغار، كلما أهلّ شهر رمضان. مباشرة بعد الإفطار، نخرج لتنفيذ عمليات ميدانية ضد الفتيات “المتبرجات”. بمجرد ما نفرغ من وجبة الإفطار، نتحول إلى “ميليشيات آداب” تجوب أطراف المدينة، سلاحنا “جباد” من “لاستيك” وذخيرتنا قطع سلكية مسمومة، نصنعها من أسلاك الدفاتر. كنا نصوب “الجباد” في اتجاه سيقان الفتيات اللواتي يلبسن تنورات قصيرة، الضربات لاسعة تجعل الساق تنزف. ننفذ عملياتنا ونهرب كأي إرهابيين مبتدئين. كنا أطفالا، وكانت ألعابنا أقرب إلى “عالم الجريمة”، وعندما كبرنا أصبحنا نعتقد أن نملك حق التدخل في شؤون الآخرين، باسم الدين والأخلاق والعادات المفترى عليها، مثل الواقفين وراء حملة “لا للتبرج”.

حتى أماكن الصلاة لم تكن تسلم من حماقاتنا. نذهب إلى المسجد كي نجمع أقصى ما يمكن من الحسنات، لعلها تذهب السيئات التي راكمنا طوال العام. لكن الطبع يغلب التطبع. ننتظر أحدنا حتى يسجد وننزل عليه بصفعة على “القرفادة”، ثم نهرب ضاحكين. في البيت، عندما كان الواحد منا يصلي، يتعمد أخوه المشي أمامه كي يجعله يعيد الركعات من جديد أو يحاول أن يُضحكه، عندما يفشل يهوي على رأسه بوسادة أثناء السجود. السجود الذي كنا نحرص أن يكون طويلا، ليس فقط، كي نستريح من تعب الركعات، بل لأن الدعاء يكون مستجابا خلاله أكثر من أي وضعية أخرى. كنا نحول لله سبحانه وتعالى إلى “مول الحانوت”، لم نترك أي نوع من الحلويات لم نطلبه من “الواحد القهار”!

نطلب منه، أيضا، أن يحقق لنا بعض الأمنيات “الكلاسيكية” مثل النجاح في الامتحان، وأخرى سرية، كأن تتهدم المدرسة أو يموت المعلم كي نصبح في عطلة، أو يشتري لنا الوالد دراجة، أو نعثر على درهم مباشرة بعد الانتهاء من الصلاة أو تكون ملابس العيد مناسِبة لأحلامنا… دعوات “انتهازية” نحاول أن نردد أكبر عدد منها في كل سجدة، رغم أنها لا تتحقق. دعوة واحدة تحققت لكل أبناء ذلك الجيل وندمنا عليها فيما بعد: أن نكبر بسرعة… ها قد كبرنا وكبرت معنا العدوانية ونزعة الذكورة ومعاداة النساء. أعتقد أن سيغموند فرويد لم يكذب عندما قال: “الطفل أبو الرجل”!.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي