أحوال الإمام مالك.. الحدة في العلماء- الحلقة13

22 مايو 2019 - 15:01

أحوال الإمام مالك الدكتور أحمد كافي أستاذ التعليم العالي للدراسات الإسلامية الدار البيضاء.

كثيرون يعتقدون أن العالم يجب أن يتصف بالكمال حتى في الأمور الجبلية التي لها أسباب في تشكيل شخصيته قبل أن يصبح ذات يوم في الناس عالما.

وعليه، فإن العلماء مثل البشر لا يفترقون عليه في كثير من الأوصاف التي تشترك الإنسانية فيها. صحيح أن لله زين صدورهم بما عندهم من العلم، وهو الذي يدفع في أن يجعل أخلاقهم دون أن تصل درجة السفالة إذا وفقهم لله لذلك. ولكن الطبع غالب على ما يعالجه مما هو مركوز في طبعه. وهذا باب كبير لعلي إن فسح لله في الأجل أن أكتب عن الأخلاق في العلماء.

وقد كان لمالك مشيخة علمية متنوعة، أركز في هذه الحلقة على من تلقى العلم عنهم وقد كانت في أخلاقهم شراسة وحدة طبع.

ومن هؤلاء وأعظمهم: نافع مولى عبد لله بن عمر، المعروف بشراسته وحدة طبعه الذي لا يتحمله الناس. غير أن مالكا تحمله من أجل الحصول على العلم الذي عنده مما ليس عند غيره. فصبر على طبعه. وكان يتحايل عليه في الاستفادة منه، حتى لا يثور انزعاجه، أو يجد الصدود منه، أو لربما أغلظ له القول وعنفه.

ونافع هذا كما يذكر المترجمون عند الحديث عن محتده، ومما قيل فيه إنه من أهل المغرب.

جاء في سير أعلام النبلاء: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ فِي نَافِعٍ حِدَّةٌ، ثُمَّ حَكَى مَالِكٌ: أَنَّهُ كَانَ يُلاَطِفُهُ وَيُدَارِيْهِ.

وهذه المداراة ورد بيانها من طريق أخرى عن مالك نفسه حيث قال: « كنت آتي نافعا مولى بن عمر نصف النهار. ما يظلني شيء من الشمس. وكان منزله بالنقيع بالصورين، وَكَانَ حادَّاً، فأتحين خروجه، فيخرج فأدعه ساعة. وأُريه أني لم أرده. ثم أعرض له فأسلم عليه. ثم أدعه حتى إذا دخل البلاط. أقول: كيف قال ابن عمر في كذا وكذا؟ فيقول قال: كذا وكذا فأخنس عنه(أي أبتعد وأتوارى) » (طبقات ابن سعد).

ومن الخير بمالك أنه دخل في السلسلة الذهبية عند المحدثين من طريق نافع هذا الذي كان حادا في طبعه، قَالَ البُخَارِيُّ: أَصَحُّ الأَسَانِيْدِ: مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.

وندم الذين لم يصبروا على حدة طبع نافع، فأعرضوا عنه ففوتوا العلم الكبير من طريقه. ومن هؤلاء النادمين أبو أويس الذي قال: « كُنَّا نَخْتَلِفُ إِلَى نَافِعٍ، وَكَانَ سَيِّئَ الخُلُقِ، فَقُلْتُ: مَا أَصْنَعُ بِهَذَا العَبْدِ؟ فَتَرَكْتُهُ، وَلَزِمَهُ غَيْرِي، فَانْتَفَعَ بِهِ » (سير أعلام النبلاء).

ويقصد بالغير الذي لزمه وانتفع به مالكا رحمه لله تعالى. وهذا الانتفاع بدأ باكرا عند مالك، حيث قال: « كُنْتُ آتِي نَافِعاً، وَأَنَا غُلاَمٌ حَديثُ السِّنِّ، فَيَنْزِلُ، وَيُحَدِّثُنِي، وَكَانَ يَجْلِسُ بَعْدَ الصُّبْحِ فِي المَسْجِدِ، لاَ يَكَادُ يَأْتِيْهِ أَحَدٌ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، خَرَجَ، وَكَانَ يَلْبَسُ كِسَاءً، وَرُبَّمَا وَضَعَهُ عَلَى فَمِهِ لاَ يُكَلِّمُ أَحَداً، وَكُنْتُ أَرَاهُ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ يَلْتَفُّ بِكِسَاءٍ لَهُ أَسْوَدَ.

ليس لعدم تمكنه وأهليته، بل إنه كان مولى، وكانوا يأنفون من الجلوس بين يدي الموالي. وقد غضب نافع مرة لهذه الحزازات النفسية، فقال: من يعذرني من زهريكم هذا يعني ابن شهاب يأتيني فأحدثه عن ابن عمر ثم يذهب إلى سالم بن عبد الله فيقول هل سمعت هذا من ابن عمر فيقول نعم فيحدث عن سالم ويدعني، والسياق من عندي ».

يريد الزهري أن يتبخبخ بالتحديث عن قرشي لا عن مولى. وكان ذلك مما يؤثر في خلق نافع وينتفض ضد هؤلاء الذين يأخذون عنه، ويغمطونه حقه بنسبة الأمر إلى من لم يدلهم عليه، ولم يعرفوا ما وصلهم من العلم إلا من طريقه هو.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي