نهاية الديمقراطية!

01 يوليو 2019 - 13:54

كان هذا عنوان كتاب «جان ماري جيهينو»، الذي  بشر فيه بنهاية الديمقراطية، مؤكدا بأننا مقدمون على عصر إمبراطوري جديد لا يعرف الحدود ولا الحرية، ويرى أن عام 1989 وضع حدًّا لعصر الدولة القومية، وقضى على القيم العتيقة كالأسرة والعفة. ويقدم جان ماري في الكتاب ذاته قراءة استشرافية لذلك المستقبل الإمبراطور.

عام 1989 كان هو زمن سقوط جدار برلين، حيث ارتفعت أطروحة نهاية التاريخ  لـ»فوكوياما».. موضوع نهاية الديمقراطية، تناولته دراسات وأبحاث كثيرة، ويمكن اعتبار أحداث 11 شتنبر 2001 حافزا دفع العديد من الباحثين إلى إعادة طرح موضوع الديمقراطية في بنائها التقليدي من زاوية المساءلة النقدية، خاصة في ضوء الممارسات التي أقدمت عليها عدة دول ديمقراطية على شاكلة الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة ظاهرة الإرهاب، وذلك بإصدار قوانين واتخاذ إجراءات مشدّدة اقتربت من حالة الطوارئ ونظام الأحكام العرفية، وربما حالة الحرب على المستويين الداخلي والخارجي، كل ذلك تحت عنوان: «مكافحة الإرهاب» في حملة دولية، خصوصاً بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي 1373 في 28 شتنبر 2001، وهو ما أدى إلى تعريض العدالة إلى نقص فادح وتجاوز خطير، لاسيما تصدّع الحق في المحاكمة العادلة. وكان الرئيس السابق بوش قد أجاز في قرار سابق له إجراء محاكمات عسكرية سرّية، وضمن قواعد خاصة، وقراراتها غير قابلة للاستئناف، وهو ما فسّره بعض القانونيين الأمريكان بأنه تجاوز لسلطة الجهاز القضائي، وكذلك، ضد قواعد القانون الدولي والمعايير الدولية بشأن المحاكمة العادلة، وما جرى في غوانتانامو وأبو غريب والسجون السرية الطائرة التي تحدث عنها الإعلام طويلا، إنما يثير الكثير من علامات الشك حول الديمقراطية «المفقودة»! لقد اعتبر كثيرون أن هذه الإجراءات تعد انقلاباً تقوم به السلطة التنفيذية على الدستور الأمريكي، كما ذهب إلى ذلك البروفيسور بويل (Boyel)، الذي قال إنها تتجاوز اتفاقيات جنيف لعام 1949، لاسيما الاتفاقية الثالثة والرابعة، وفي الفترة عينها شرعت الإدارة الأمريكية لمحاكمات اعتمادا على أدلة سرية، وهو ما يعني إخلالا واضحا بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، والاتجاه عينه – وإن كان بدرجة أقل- عرفته بريطانيا بعد العمليات الإرهابية التي استهدفت لندن، وهو ما يمكننا من القول إن عددا من قيم الديمقراطية تم تجاوزها بدعوى محاربة الإرهاب، وهو ما يعني بمفهوم المخالفة، أن هذه القيم الديمقراطية عجزت عن مواجهة أساليب الإرهابيين التي نجحت في استثمار مجال الحريات، إلى أن نفذ صبر الأجهزة الأمنية والاستخباراتية للدول التي عجزت موضوعيا عن التوفيق بين إعمال القوانين المنفتحة، وفي الوقت عينه حماية المجتمع وإحباط المشاريع الإرهابية، وهذا أمر يهدد استقلال الدول ووحدتها. التحدي الثاني، الذي يواجه مسألة الديمقراطية، هو التحدي الاقتصادي.. حيث صارت المؤسسات والدول رهينة للبورصات والمصاريف والشركات العابرة للقارات واللوبيات الاقتصادية، وتحولت العملية السياسية والانتخابية إلى دورة بليدة لا تؤثر في صناعة السياسات العمومية، ولا تجرأ المؤسسات المنبثقة عنها على مخالفة التوجهات الكبرى لاقتصاد كوكبي، يعيد إلى الخلف مبادئ ومصالح الدولة الوطنية القطرية، لفائدة هويات هجينة تصنعها شركات الاتصال العالمية ومؤسسات صناعة الرأي العام، وأضحت سلعة للتسويق، ونجحت مؤسسات الاتصال في صناعة وجوه سياسية وتقديمها لشعوبها على أنها البديل الذي لا محيد عنه، في حين أنها لا تشكل سوى وجوه جديدة لخدمة مصالح المؤسسات المالية الكبرى ورعاية مصالحها وامتدادا صريحا لأزمات دول وشعوب.

إن استمرار الشك في الاختيار الديمقراطي، واستمرار الإصرار على جعل الديمقراطية مجرد عملية تصويت «حر» في انتخابات دورية، واستمرار هيمنة الشركات الكبرى على القرارات الإستراتيجية والاختيارات التنموية للبلدان في حدودها الوطنية، سوف يفتح العالم على خطابات طوباوية عدمية من موقع المعارضة للديمقراطية التقليدية، خطابات سوف نعاني منها نحن في البلدان المتخلفة بصفة أشد، وهو ما أصبح اليوم، ظاهرا في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، حيث تطرح في وجهنا كل القضايا دفعة واحدة، فنحن مطالبون بالنجاح الاقتصادي لتحقيق السلم الاجتماعي، وفي الوقت عينه، مطالبون ببناء مؤسسات ديمقراطية عبر آلية الانتخابات، والجميع يعلم أن الانتخابات النزيهة والشفافة ليست بالضرورة ما سيصنع فورا الرخاء الاقتصادي، مادامت المسألة الاقتصادية تخضع لحسابات ورهانات تتجاوز قدراتنا كدول وشعوب. السؤال اليوم، هو كيف نطور الديمقراطية كي تتحقق كحقيقة اجتماعية، وليس مجرد نصوص قانونية تؤطر الحرية والتنافس السلمي على السلطة كفرضيات…، وفي الوقت عينه نحقق النجاحات الاقتصادية التي تضمن الكرامة وتعيد الاعتبار للدولة والمؤسسات ومن خلالها للفرد كعنصر فاعل في المجتمع، وأساسا، كيف يستطيع المجتمع أن يتخلص من الخطابات العدمية أو الحالمة التي لا تملك أي جواب عن الإشكالات التي أدمنت توصيفها وتشخيصها، وتعتقد أن سياسة العلاقات العامة والتركيز على الحلول التقنية، كفيل بتعويض غياب الرؤية السياسية و المشروع المجتمعي المؤسس على أفكار كبرى، وليس مجرد جمل إنشائية عابرة…

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي