سليمان الريسوني يكتب: أين شباط؟

13 يوليو 2019 - 18:00

شباط خارج المغرب لأزيد من سنة. وهل هذا هو الجواب المطلوب عن غياب رجل أسس حضوره الفارق والمُفارق علىأتفه الأشياء وأغربها؛ كأن يسب المهدي بنبركة، ثم يصبح زعيما للحزب الذي أسسه بنبركة؟! وفجأة يفرض غيابهبالطريقة التي فرض بها حضوره.

لكن السؤال عن شباط، هو، في الحقيقة، سؤال عن الطريقة التي تشتغل بها ماكينة الحزب السري خلال دورتهاالكاملة لصناعة الزعماء، وصولا إلى التخلص منهم عندما يصبحون عبئا، أو عندما يعتقدون أنهم استنبتوا ما يكفيمن ريش ليبتعدوا، برأيهم وحزبهم، عن عش دبابير الحزب السري. وطبعا، هذا يحدث بقبول وامتثال قيادة الحزبالمعني. فهل يمكنمثلاأن يقنع غلاب وحجيرة والدويري وياسمينة، حتى أنفسهم، قبل إقناع غيرهم، بتوافر عواملوشروط سياسية وقدرات استثنائية رجحت كفة شباط لديهم، بدل عبد الواحد الفاسي، في 2012؟ وهل يمكنهم أنيقدموا جوابا معقولا عن خروج الحزب من الحكومة في 2013؟ لا يمكنهم ذلك. لقد كان شباط يتخذ القرارات الكبرىخارج أسوار باب العزيزية، ثم يستدعي أجهزة الحزب للتصديق والتصفيق.

لكننا سنكون قد جانبنا الصواب إذا نحن اعتقدنا أن الحزب السري يصنع زعماء سياسيين من لا شيء داخلمختبراته المغلقة، ثم يغرسهم وسط الأحزاب، مثلما يحدث عندما ننقل فسيلة من مشتل إلى حديقة؛ فنماذج مثل حميدشباط أو إلياس العماري، لها من التجربة السياسية والدهاء الاجتماعي، إلى جانب حس المغامرة، ونفور متأصل منكل ما هو مبدئي، مع استعداد، غير مشروط، للقيام بكل المهام، بما فيها التي تقع خارج دائرة الأعراف والأخلاقالسياسية، وهو ما لا يتأتى لأطر حزبية ورثت السياسة ودرست في أعرق الجامعات والمعاهد الدولية.

سنجانب الصواب، أيضا، إذا نحن اعتقدنا أن حجيرة وغلاب والدويري وياسمينة، وأمثالهم، دعموا شباط في تسلقهالهيمني على الحزب ونقابته، فقط لأنه فُرض عليهم. لا، فهؤلاء، وقبلهم ضمائر الحزب ونخبه التاريخية، رأوا في شباطذلك الأخ غير الشقيق، القادر على الدفاع عن إرث عائلة طالما تطاولت عليها الدولة واليساريون، وحتى الأحزابالإدارية، محملين إياها ثقل الماضي الدموي. لذلك، وقفوا يصفقون له ويباركون، بالصمت، فظاعاته؛ صفقوا له وهويصف المهدي بنبركة بالقاتل، وهو يتهم وزيرا من أحزاب الحركة الوطنية بالدخول إلى البرلمان سكرانَ، مثلما صفقوا لهوهو يوزع صور أمين عام حزب سياسي وإلى جانبه زجاجة نبيذ، في حملة انتخابية. صمتوا عنه وهو يتخلص منزعيم النقابة، عبد الرزاق أفيلال، بطريقة مسيئة، وبعده من الأندلسي بطريقة مهينة. صفقوا له وهو يتهم مسؤولين فيالدولة والأحزاب بالاتجار في المخدرات وآخرين باللواط. صمتوا عنه وهو يصف قضاة المجلس الأعلى للحساباتبالإرهابيين، وينعت قاضية بالانحلال الأخلاقي، ورئيس نادي القضاة بالكذب. صفقوا له وهو يصف رئيس حكومةبالداعشي والعميل للموساد. صفقوا وصمتوا وغضوا الطرف عنه وهم يرونه يتضخم ويتحول من عامل بسيط إلىأخطبوط سياسي ومالي، تتناقل الجرائد أرقام ملاييرهلكنهم لم يتوقعوا أن يصل طموح شباط إلى وراثة علالالفاسي وامحمد بوستة وعباس الفاسي، لذلك، قال عبد الكريم غلاب قبيل وفاته: «لقد بكيت مرتين في حياتي؛ عندماتوفي والدي، وعندما استلم حميد شباط قيادة حزب الاستقلال».

في كل الأحوال، هروب زعيم سياسي ونقابي بارز إلى الخارج، إذا أضفنا إليه ما قيل حول تهريب ثروته معه، لا يدينهوحده. لأنه، أولا، يسائل الجهات التي تساهلت معه في جمع تلك الثروة التي سبق له أن اعترف بها أو بجزء منها، وهوالعامل التقني البسيط، ثم تساهلت معه، أو غافلها بطريقة غير قانونية، في تهريبها. وثانيا، يدين الجهات التيبسببها قرر شباط اللجوء إلى الخارج، لأن بُعد «زعيم القرب» (هكذا وصفه الملك)، كل هذه المدة عن عائلته ودائرتهالبرلمانية، لا يمكن تفسيره إلا بكونه خائفا على حريته. وبالتالي، لا أجد توصيفا لما يتعرض له الأمين العام السابقلحزب الاستقلال، إلا ذلك الذي سبق أن قلته عنه في مقال سابق: «الشطط في استعمال شباط».6.6

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي