"إلباييس": السنوات العشرون من حكم محمد السادس.. من الانفتاح الشجاع إلى الركود

05 أغسطس 2019 - 00:01

يطرح أداء الملك محمد السادس خلال السنوات العشرين الأخيرة، بعد اعتلائه العرش يوم 30 يوليوز 1999، في سن الـ36 عاما، مجموعة كبيرة من العوامل التي يجب تحليلها. هناك من يرى تدبيره كقصة نجاح، إذا تم الأخذ بعين الاعتبار المحيط الإقليمي، حيث ساحل يحترق، وجزائر لم تعرف استغلال ثروتها الطاقية، وليبيا غارقة في الفوضى، ومصر أصحبت أكثر قمعية من أي وقت مضى. هذه الأصوات تشيد، كذلك، بتمتين العلاقات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي، والحقوق التي منحت للنساء بعد تطبيق مدونة الأسرة سنة 2004، علاوة على الأشغال الكبيرة التي أنجزت على مستوى البنيات التحتية، وتعزيز صناعة السيارات.

في المقابل، هناك من يتحصرون على أن المشاكل الكبرى لازلت لم تعالج: قضية الصحراء الغربية التي لازالت راكدة، كما أن علاقة الدولة بالريف عادت إلى العهد القمعي القديم، فضلا عن المستوى التعليمي الرديء الذي لازال يعيق التقدم، كما أن الإقلاع الاقتصادي لم يكتمل، هذا دون إغفال آلاف الشباب الذين يغامرون بحياتهم من أجل عبور مضيق جبل طارق، بحثا عن مستقبل أفضل.

تلقى محمد السادس تعليمه بالعربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية. حصل على الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة نيس. عندما وصل إلى سدة الحكم بدأ في تصفية الكوادر السامية المرتبطة بالسياسة القمعية لوالده الملك الراحل الحسن الثاني. إذ احتضن في المغرب المعتقلين الذين حكم عليهم سلفه بالنفي. كان في بداية حكمه يوصف بملك الفقراء. انتقلت هذه المملكة التي يبلغ تعداد سكانها 35.6 مليون نسمة من الانفتاح الشجاع إلى الركود. في ما سيأتي سنقوم بجرد الجوانب الأكثر بروزا قي العشرين سنة من حكم محمد السادس.

الريف والصحراء .. أكبر بؤر الاحتجاج

الجروح القديمة عادت لتُفتح من جديد. يُتذكر الحسن الثاني في الريف باعتباره قامع كبير. وعلاوة على أنه قمع بشكل فظيع الانتفاضات التي وقعت ما بين 1958 و1984، لم يسبق له أن زار الريف، بل أكثر من ذلك حكم عليه بالفقر. غير أن ابنه قرر القيام بأول زيارة رسمية له إلى الحسيمة سنة 1999. وكان يقضي دوما بعض الأسابيع في الريف. وما بين 2015 و2019، أطلق مخططا للتنمية سمي « الحسيمة.. منارة المتوسط »، والذي لم تنته أشغاله قط. واستمر الريف غارقا في الفقر. وفي أكتوبر 2016، مات بائع السمك محسن فكري طحنا في حاوية شاحنة أزبال بعد استصدار سمكه، كل هذا أدى إلى اندلاع احتجاجات لمدة 8 شهور تقريبا، رافعة مطالبا اجتماعية واقتصادية، انتهت بالمئات من الشباب في السجون، إلى جانب آخرين قرروا « الحريك » إلى أوروبا. في المقابل، غادر المئات السجون بفضل العفو الملكي، لكن قيادة الحراك بزعامة ناصر الزفزافي لازالت في السجن.

نزاع الصحراء راكد

يخصص المغرب للصحراء- في الخارج والداخل- جهدا ماليا ودبلوماسيا كبيرا. رغم هذا الجهد- وربما بفضله- لم يحصل أي تقدم في البحث عن حل لهذا النزاع منذ إبرام اتفاق وقف النار سنة 1999 بين المغرب والبوليساريو. المغرب مستعد فقط لمنح الحكم الذاتي لأقاليمه الجنوبية، فيما تطالب البوليساريو بالاستفتاء حول الاستقلال.

وبسبب نزاع الصحراء لازالت الحدود البرية بين المغرب والجزائر مغلقة منذ سنة 1994. الثمن الاقتصادي الذي تدفعه المنطقة بسبب إغلاق الحدود لا يتناطح فيه عنزان. مشروع اتحاد المغرب العربي الذي بدأ سنة 1989 أصبح اليوم سياسة الخيال. كما عاد المغرب في 2017 إلى الاتحاد الإفريقي في محاولة لطرد البوليساريو من الداخل. إلى حدود الساعة، لم يتأت له هذا الهدف. لكن الرباط تمكنت من نسج شبكة دبلوماسية ودينية واقتصادية في القارة.

سياسة الوطن

التنمية البشرية في المغرب راكدة. والتعليم هو أكبر عائق. فمؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة كان وَضَعَ المغرب قبل 20 عاما في المرتبة 125، لكن لم يتقدم، بحيث احتل المرتبة 123 خلال السنة الماضية. فيما تحتل الجزائر المرتبة 85، وتونس المرتبة 95، فحتى ليبيا التي تعيش في الفوضى ربحت 26 مركزا، بحيث أنها أحسن حالا من المغرب باحتلالها المرتبة 108. فحتى فلسطين تسبق المغرب باحتلالها المرتبة 119.

فشل الحزب الذي أسسه صديق الملك

في خطاب له سنة 2007، دعا الملك محمد السادس إلى خلق « جو سياسي جديد معقلن ». حينها كان الإسلاميون يزدادون قوة وليست هناك تشكيلة تواجههم. وفي غشت 2009، أسس صديق الملك، فؤاد علي الهمة، حزب الأصالة والمعاصرة. لكن لم يتمكن من إزاحة إسلاميي حزب العدالة والتنمية. واليوم يعيش هذا الحزب أسوأ أزمة في مساره.

استياء الناخب

دفعت ثورات الربيع العربي محمد السادس إلى وضع دستور جديد يتخلى فيه عن قداسة شخصه ويقص من صلاحيته لصالح الحكومة والبرلمان. في الواقع لازالت للملك الصلاحيات الكبرى. في 2017، أَعْفَى رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيرأن، السياسي الأكثر كاريزمية في البلد بعد أن لم يتمكن من تشكيل الحكومة في 5 شهور. وبين هذا وذاك، لا يخفى الاستياء الشعبي من السياسة وهو ما يترجم في الامتناع عن التصويت الذي يتجاوز نسبة الـ50 في المائة، رغم أن 30 في المائة من المغاربة في سن التصويت غير مسجلين في اللوائح الانتخابية. هذا الاستياء عُبِرَ عنه خلال حملة المقاطعة الشعبية السابقة لثلاث شركات نافذة في المغرب.

جيل الـ20 ربيعا.. الخاسر الأكبر

هذا الجيل لم يعرف أي ملك غير محمد السادس. هؤلاء هم أكبر المتضررين في بلد بدون آفاق كبيرة. وهو ما عبر عنه الملك نفسه في خطابه في غشت 2018.

الفساد

في 20 سنة الأخيرة، ربح المغرب نقطتين فقط في مؤشر الفساد الذي تنجزه منظمة الشفافية العالمية في 180 بلدا. كان المغرب يحتل سنة 1999 المرتبة الـ45، وفي السنة الماضية ربح فقط مركزين باحتلال الرتبة 43.

تقدم في محاربة الفقر تحجبه التفاوتات الطبقية والمجلية

في المغرب هناك 4 ملايين فقير، وفق الأرقام الرسمية. تراجع الفقر بشكل ملحوظ في المدن، لكنه استمر في العالم القروي، حيث يعيش ثلث المواطنين. علما أن الخبراء يقولون إن المغاربة هم أكثر فقرا 10 مرات من الإسبان.

بنيات تحتية ضخمة

هذا المجال يمكن أن يكون الأكثر نجاحا خلال العقدين الأخيرين. بينما كانت أكبر معلمة شيدها الملك الحسن الثأني هو « مسجد الحسن الثاني » سنة 1993؛ دشن محمد السادس سنة 2007 ميناء طنجة المتوسط، الذي يعتبر مشروعا مفتاحا لتطور وتقدم البلد. كما جعل هذا الميناء من مدينة طنجة ثاني قطب اقتصادي في المغرب، هذا في الوقت الذي لم يكن فيه الحسن الثاني يتردد على طنجة. علاوة على تشييد أكبر محطة لإنتاج الطاقة « نور » في ورزازات؛ إلى جانب بدء العمل بالقطار فائق السرعة (البراق) بين طنجة والدار البيضاء. كما رفع الملك من انتشار الطرق السيار من 400 كلم سنة 1999 إلى 1800 كلم اليوم.

الكهرباء والماء .. مهمة ناجحة تقريبا

في 1995، كان يتطلع المغرب في غضون 15 عاما إلى تغطية 85 في المائة من التراب الوطني من الكهرباء والماء الصالح للشرب. الأهداف تحققت اليوم تقريبا، إذ بلغت نسبة تغطية الكهرباء 99.5 في المائة، والماء الصالح للشرب 97 في المائة.

تطوير صناعة السيارات

دشنت مجموعة رونو نيسان مصنعا في طنجة يُنتج 400 ألف سيارة سنويا، علاوة على مصنع الشركة الفرنسية بيجو في القنيطرة القادر على إنتاج 200 ألف سيارة السنة ابتداء من السنة المقبلة. تجدر الإشارة إلى أن المغرب تمكن بفضل الموانئ والمصانع أن يكون رائدا إلى جانب جنوب إفريقيا، في صناعة السيارات في القارة السمراء.

توسع السياحة

رغم الاعتداءات الإرهابية التي هزت المغرب سنة 2003 و2011 و2018، إلا أنه استطاع أن يعطي انطباعين جيدين عنه سياحيا. إذ استطاع المغرب استقطاب 12 مليون سائح أجنبي سنة 2018.

شريك مفتاح في محاربة الإرهاب

تحول المغرب إلى شريك مهم للاتحاد الأوروبي، خاصة فرنسا وإسبانيا، في محاربة الإرهاب. كما أنه بعد تأسيسه سنة 2015، تمكن المكتب المركزي للأبحاث القضائية من تفكيك 60 خلية إرهابية في أقل من أربع سنوات، أغلبها لديه ارتباط بالتنظيم الإرهابي داعش.

تراجع الصحافة

يلاحظ تراجع مقلق للصحافة الحرة والمستقلة في المغرب إلى درجة أنه احتل المرتبة 135 في حرية الصحافة والتعبير من أصل 180 بلدا، وفق تقرير المنظمة الدولية « مراسلون بلا حدود » لسنة 2018، فيما احتلت تونس المرتبة 72 والجزائر المركز الـ141.

ومن بين المسائل الأكثر إثارة للانتباه في السنوات العشرين الأولى من حكم محمد السادس، هناك الهجرة السرية، لاسيما سياسة الهجرة التي أطلقها المغرب سنة 2013، والتي مكنت من تسوية الوضعية القانونية لـ50 ألف مهاجر من إفريقيا جنوب الصحراء. فضلا عن قلة المقابلات الصحافية للملك محمد السادس، إذ أن أول مقابلة منحها لصحيفة « لوفيغارو » سنة 2001، والثانية والأخيرة لـ »إلباييس » قبل 14 عاما. إلى جانب أن استطلاعات الرأي حول الملكية ممنوعة في المغرب. كما تبرز، كذلك، عودة المنفيين في الخارج في بداية عهد محمد السادس، بالإضافة إلى خلق هيئة الأنصاف والمصالحة، ومدونة الأسرة.

ترجمة توفيق سليماني عن « إلباييس »

 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي