مغرب 2021 (4)

06 أغسطس 2019 - 14:53

«القائد السياسي هو تاجر الأمل» (نابليون بونابرت)

أبانت المصادقة على القانون الإطار بمجلس النواب الاثنين الماضي، عن نقاش سياسي محمود، من شأنه أن يسهم في نهاية توترات 2011 وما أعقبها، بل ستشكل، لا محالة، مدخلا لخطاب جديد في الساحة السياسية، بدأ يتحدث عن مد اليد إلى الجميع، وعن التوافق والحوار.

لقد أكدنا مرارا أن القضايا والمشاكل الكبرى للمغرب، اقتصاديا وسياسيا، لا يمكن معالجتها إلا في محيط من التوافق والحوار، في ظل ديمقراطية مفتوحة يحكمها الدستور والقانون، وتتطلع إلى أفق أقوى وأرحب.

ولأن خطاب الحوار والأيادي الممدودة والبحث عن التوافقات، لا يمكنه أن يثير أي ردود فعل سلبية، فقد حان الوقت لتحويله إلى سياسة عملية مبنية على القطيعة مع سلوكات الماضي، ومع تصرفات وتصريحات لم تسهم سوى في المزيد من تأجيج الوضع، وخلق نوع من التوتر الذي خنق الحقل السياسي منذ 2011 إلى اليوم، حتى أمست أزماتنا الاقتصادية والسياسية ثقلا على المغرب برمته.

إن حلحلة ملفات الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي تتطلب منا اليوم ضرورة الإسهام في إعداد أجوبة جماعية، ولا يحق لأحد أن يتباهى على الآخر بكونه وحده من يملك الشرعية، أو من يحتكر قوة إنقاذ البلد أو حتى حماية الملكية. وهنا أتذكر نقاشا سابقا لي مع وزير الدولة الراحل، عبد الله بها، حين قال لي: «تأكد أن هذه الدولة تحمل في ذاتها بذور الاستمرارية، وإلا ما كانت لتستمر 14 قرنا، لذلك، دورنا اليوم أن نحمي هذه الدولة وندعمها‪»، ومات الفقيد وزير الدولة بها، ولايزال صوته وكلماته العميقة ترن في أدني.

أعتقد أن الخلاف اليوم لم يعد مطلقا حول وحدة الدولة والنظام، أو حتى المزايدة حول الشرعية، بما فيها الأخلاقية، بل أصبح النقاش منصبا اليوم حول كيف يجب أن ندير أزماتنا؟ وكيف نحمي مكتسباتنا؟ وكيف ننفتح بنزاهة على بعضنا البعض؟

إن محطة التصويت على القانون الإطار، كانت محطة الشعور بذلك الإجماع السامي حول القضايا الكبرى، والذي يجب أن يجمعنا، ويجب أن يسمح لنا -بالرغم من اختلافاتنا- بالتعبير عن مواقفنا، فلا أحد، كيفما كان موقعه، يملك الحقيقة وحده، حتى ولو خرج البعض استثناء ليصدر أحكاما مبنية إما على العواطف، أو من عقلية اتهامية مسبقة.

إن هذا النقاش السياسي الموحد أكد أن الأصل يكمن دائما في موقف الأغلبية المطلقة، وجعلنا نطمئن إلى موقف سبق وعبرنا عنه مرارا قبل هذه المحطة، وهو أن مستقبل المغرب يكمن في الاختلاف الذي يجمعنا، وفي الحوار الذي يوصلنا إلى أهدافنا الوطنية الكبرى، فالخطورة لا تكمن في وجود الاختلاف أو في تباعد الآراء، بقدر ما هي كامنة في غياب الحوار، وفي الإقصاء، وفي الانطلاق من الأحكام المسبقة والتصريحات القدحية اليقينية تجاه الآخر، أي من منطق فحواه أنه لا يمكن أن أوجد إلا بإلغاء الآخر.

إن بلدنا مبني على الاختلاف، وعلى الغنى اللغوي والثقافي، وهذا هو مصدر قوته، ودورنا، نحن السياسيين، هو الحفاظ على هذا الاختلاف، وإدارته في نسق وحدة وطنية، لذلك علينا أن نتجاوز الماضي بجراحاته، ونبني المستقبل بأحلامه، وأن نصنع من محطة 2021 تلك الخطوة الأولى نحو الأفضل، نحو الطريق الصحيح.

لذلك، أثارت اهتمامنا، بل استحساننا، تلك الآراء التي ارتفعت أخيرا، وأعلنت بصوت العقل سياسة الأيادي الممدودة لجميع القوى السياسية، عن إرادة التوافق، فذلك يعبر عن نضج سياسي، وإحساس بالمسؤولية، فلسنا ملائكة، لكننا، في الوقت نفسه، لسنا شياطين، بل نحن بشر، نمارس السياسة بمطباتها، نتحدث لنسمع بعضنا البعض، نجد ونجتهد، قد نصيب وقد نخطئ، وإذا أخطأنا علينا أن نصحح الخطأ، وعلينا أن نقرر في اللحظة الصحيحة، وفي الموضوع الصحيح، بشكل جماعي وتوافقي، يعكس مصلحة الوطن، أما الآخر الخارج عن هذا الإجماع، فسيشكل ذلك الاستثناء الذي خلقناه في مخيلتنا، لذلك، ندعوه إلى أن يتكلم حتى نسمعه، ومن ثم نفكر معا، ويكون الوطن لنا جميعا.

 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي