سليمان الريسوني يكتب: عيد الأضحى السياسي

10 أغسطس 2019 - 18:00

أحداث كبرى صادفت العيد الكبير، وطبعت تاريخ المغرب الحديث. وشخصيات مهمة اختير عيد الأضحى مناسبة للتضحية بها؛ بدءا من محمد الخامس الذي نُفي بالتزامن مع عيد أضحى 1953، ونصِّب محمد بن عرفة، بدله، يوم الوقوف بعرفة (اليوم السابق للعيد). وقد خلد هذه المناسبة شاعر الحمراء، محمد بن إبراهيم، بقصيدة شعرية يقول في مطلعها: «محمد بن عرفة.. نُصر يوم عرفة.. فذاك سرٌّ ظاهرٌ.. يعرفهُ من عرفهْ»، وهذه القصيدة حذفت من ديوان شاعر الحمراء الذي جمعه بأمر من الحسن الثاني الذي كان يحب هذا الشاعر، لذلك، لم يؤاخذه بـ«خيانته»، لأنه كان يعرف أن كأسه وصحنه كانا من بيت الباشا لكلاوي.

مع مجيء الحسن الثاني، وطيلة فترة حكمه التي غطت 38 سنة، كان عيد الأضحى، في العديد من الأعوام، لحظة سياسية بامتياز. بداية من عيد الأضحى لسنة 1971 الذي اختاره الملك الراحل موعدا للتضحية بعشرة من المشاركين في «انقلاب الصخيرات» (أربعة جنرالات وخمسة كولونيلات وكوموندو واحد)، وأشرف شخصيا، رفقة ضيفه الملك الحسين، على عمليات الإعدام رميا بالرصاص، بشاطئ الهرهورة. لقد حكى لي الكولونيل عبد لله القادري، وكان يرأس كتيبة إعدام، عن شخصين واجها الموت بشجاعة نادرة؛ الأول هو الكولونيل العربي الشلواطي، الذي عندما مر بالقرب من أحمد العراقي، وكان وزيرا أول، بصق هذا الأخير في وجهه، فالتفت إليه الشلواطي وقال له ببرودة أعصاب: «لا نبصق في وجه محكوم بالإعدام.. أنت جبان». والثاني هو الكومندان إبراهيم المانوزي الذي وقف، عكس باقي رفاقه الذين كانوا يهتفون بحياة الملك، يقول: «لله يلعن بوكم يا الكلاب.. غادي تشوفو فداك الدار آش غادي يطرا لكم.. أ الخونة».

أتذكر أن القادري، وهو يحكي لي عن هذا المشهد، اغرورقت عيناه بالدموع، وقال: «كان هذا أسوأ يوم في حياتي.. فزملائي لم يكونوا يستحقون الإعدام، لأنه لم تكن هناك حجة دامغة على تورطهم في المحاولة الانقلابية التي وجدوا أنفسهم في قلبها دون علمهم».

بعد مرور ثماني سنوات على نجاته من المحاولة الانقلابية الأولى، سيستضيف الحسن الثاني الشاه محمد رضا بهلوي، الذي أطاحت به الثورة الإيرانية، وسيصادف حلوله بالمغرب عيد أضحى سنة 1979. بعد صلاة العيد، وقف الحسن الثاني والشاه المخلوع لتلقي تهاني العيد، وفيما كان السفراء والوزراء يتقدمون للسلام على الملك وضيفه، امتنع عبد الهادي بوطالب، أستاذ الحسن الثاني ووزيره، حينئذ، في الإعلام، عن السلام على الشاه، وهو ما أغضب الملك الذي استدعاه وسأله عن فعلته، فأجابه بوطالب: «أنا لا أعرف إلا ملكا واحدا في المغرب».

قبل أيام من حادثة رفضه السلام على الشاه، كان عبد الهادي بوطالب قد اقترح على الحسن الثاني أن يدعو المغاربة إلى «العفو» عن الأضاحي، وذلك بعدما قدم وزير المالية تقريرا يقول إن المغرب يخسر رصيده من العملة الصعبة باستيراده الأغنام. طالب بوطالب الملك بأن ينوب عن المغاربة بذبح كبشين، عن نفسه وعن أمته، لكن الملك لم يعر النصيحة اهتماما. في ذلك اليوم، سيفتح الحسن الثاني التلفزيون على مشهد الممثل الراحل، حمادي عمور، يمثل دور زوج مقترن بأربع نساء، كل واحدة تريد كبشا خاصا بها، فيما حمادي عمور يحاول تقسيم الخروف بينهن. اعتبر الحسن الثاني أن وزير الإعلام برمج تلك التمثيلية نكاية فيه، فأمر بحبس حمادي عمور.

عن ذلك كتب عبد الهادي بوطالب في مذكراته يقول: «في ثالث أيام عيد الأضحى، رافقت الملك الحسن الثاني في زيارته الرسمية لأمريكا. وأثناء وجودنا بواشنطن، بلغ إلى علم وزارة الدولة في الإعلام أن حمادي عمور قد اعتقل واقتادته الشرطة من منزله بعدما عصبت عينيه، وأنه لم يبلغها خبره منذ ذلك. فأبلغت جلالة الملك بما حصل مستنكرا متأثرا، فبادر جلالته إلى إعطاء أمره بالإفراج عنه، واستقبله بالقصر الملكي، ونفحه نفحة مالية جبر بها كسره وخفف كربه».

في 1981، سيضرب المغرب جفاف غير مسبوق، كان من تبعاته نفوق ما لا يحصى من رؤوس الأغنام، لذلك، قرر الحسن الثاني منع العيد، وهو الأمر الذي لم يرق عددا كبيرا من المغاربة، ضمنهم سكان منطقة كلميمة الذين سيلجأ بعضهم إلى ذبح كلبين وتعليقهما على باب أحد القصور، وسيكتبون على واجهته: «عيّد أنت يا حسن بالكبش، أما نحن فسنأكل الكلاب». اعتقل مؤذن مسجد (سعيد هراف) رفقة ابنه (موحى هراف)، ولانتزاع اعترافاتهما صب المحققون البنزين على الأب وأحرقوه حيا، أما الابن فاقتلعوا أسنانه، حسب الشهادة التي قدمها شخصيا أمام هيئة الإنصاف والمصالحة.

وعلى عكس جده ووالده، لم تصادف الأعياد «الكبيرة» العشرون للملك محمد السادس أي حدث سياسي أو اجتماعي كبير، وإن كان الكثير من المغاربة يعقدون آمالا كبرى على أن يصدر الملك، بمناسبة عيد الأضحى لهذه السنة، عفوا كبيرا عن معتقلي حراك الريف والصحافيين توفيق بوعشرين وحميد الهدوي، وأن يطلق مصالحة كبرى، ودفعة أكبر للعملية السياسية الديمقراطية وللحريات.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي