لعبة إسقاط الأقنعة.. مدخل إلى مشروع الرواية السياسية

16 أغسطس 2019 - 23:20

صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، للكاتب شوقي عبدالحميد يحيى، كتاب « مصر بين ثورتين.. مسيرة روائية ».

وجاء على غلاف الكتاب: « كثيراً ما شكك المؤرخون في كتابة التاريخ الرسمي. حيث تخضع كتابة أحداث التاريخ لرغبات السادة وأهواء الكتاب. التاريخ الرسمي يكتبه المنتصرون.

وحيث إن الكاتب الروائي إنسان يعيش الحياة بين الناس. يشعر بشعورهم ويملك من الإمكانيات الفنية ما يمكنه من قول الحقيقة بأساليبه الإبداعية. وحيث إن الرواية هي ديوان العصر الحديث. فقد سعى هذا الكتاب إلى تحديد مسيرة مصر في فترة حيوية جداً، أثرت في المجتمع وأعادت تشكيل طبقاته لإعادة كتاب التاريخ من خلال ما عبر عنه الروائيون في إبداعاتهم ».

في روايته « الطلياني » يحاول الروائي التونسي شكري المبخوت الكشف عن المرحلة المضطربة لتونس بين أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، في محاولة منه لدراسة التجاذبات السياسية بين اليساريين والإسلاميين، والتي مكنت الديكتاتور زين العابدين بنعلي من التربع على السلطة. ومع أن أحداث الرواية تقع في الفترة التي سبقت الثورة التونسية إلا أن المبخوت يؤكد على أن روايته مستلهمة من انتفاضة عام 2010. فقد صرح في المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد فوز الرواية بالجائزة العالمية للرواية العربية، بالقول: « هذه الرواية هي رواية التحدي ».

ويبقى التساؤل عن الكيفية التي مهدت بها هذه الروايات لثورة الربيع العربي وقدرتها لتأجيج شرارة الوجدان العربي أمرا غير مفهوم وفي حاجة إلى الكثير من التعليل والاستدلال، وهو ما يجعلنا نطرح الكثير من التساؤلات، من قبيل: هل يستطيع السرد السياسي تغيير أنظمة الحكم في العالم العربي؟ وهل يواكب الأدب العربي الحديث التغييرات الطارئة في البلدان العربية بشكل متزامن، أم أن ما يكتبه الأدباء هو دائما في تفاوت مع واقع المجتمعات المظلومة والمقهورة؟ ناهيك عن طرح مشكلات المقروئية في العالم العربي وتدني مستوياتها إلى الحضيض؟ كما أن الأنظمة العربية نفسها تحاصر مثل هذه الكتابات وتعمل على التضييق على مبدعيها بشتى الطرق والوسائل التي تصل إلى درجة الاعتقالات وحتى التصفيات الجسدية. فكيف لنا أن نصدق أطروحة قدرة الأدب السياسي والرواية السياسية بشكل حصري على التمهيد للثورات العربية؟

الأكيد أنه إذا صدقت هذه الأطروحة، ولو بشكل نسبي، فستكون علامة فارقة في المجتمعات العربية، ونقطة تحول فكري وسياسي، ينبئ بقيام شروط ثقافية جديدة عنوانها البارز هو انخراط الأدب في توجيه عوالم السياسة.

ونجد صنفا آخر من الروايات السياسية التي جاءت بعيد الثورات العربية وتغلب عليها سمة الكتابة القطرية، إذ نجد كل منها يركز على قطر عربي بعينه، وابتعدت في الأغلب الأعم من حيث البناء الفني عن التخييل لترصد الثورة بشكل واقعي، وكأنها مجموعة من اللوحات الفنية المصورة عن واقع الثورات العربية التي أطاحت بالكراسي، لكنها بطبيعة الحال لوحات مدججة بالكثير من الدماء والمآسي والعنف.

ومن الصعب حصر هذه الروايات بشكل كامل، لكننا سنكتفي بالإشارة إلى ثلة منها، بغرض اطلاع القارئ عن حضور الثورات العربية في الرواية السياسية العربية تاركين له حرية الاختيار والحكم الفني والجمالي عنها.

وهكذا نقرأ في رواية « ثورة العرايا » للكاتب والروائي محمود أحمد الإهداء السياسي الساخر الذي يقول فيه: « إهداء خاص جدا إلى كل حمار مصلوب ممصوص دمه كعود القصب بعد مصه مثلي، تماما شكا لي حاله وشكوت له حالي »، فهو يعمل على رواية أحداث الثورة والآلام التي نتجت عنها.. وروايته ستفوز بجائزة إحسان عبد القدوس عام 2013.

واختار الأديب والكاتب التونسي أبو بكر العيادي حبكة فنية مشوقة لرواية أحداث الثورة التونسية في روايته « ورقات من دفتر الخوف »، من خلال خلقه لشخصية بطل الرواية المثقف القاطن بالمهجر، والذي يعمل على متابعة الأحداث الجارية في تونس باهتمام كبير، محاولا فهم الأسباب التي أدت إلى تلك الثورة، وفي الوقت نفسه تذكر الأسباب الموضوعية التي أبعدته عن وطنه وهجّرته، ليجد الخيط الناظم بينهما، والمتمثل في انتشار الفساد ومضايقة المثقفين والطبقة الوسطى.

ويدين أبو بكر العيادي ما سمّاه بظاهرة عجائز العمل السياسي (الذين عمروا في السلطة طويلا)، والذين استولوا على ثمار ثورة شبابية، ويقول في متن الرواية: « رجال جثموا على صدورنا منذ عهد البايات كالقضاء المبرم… يظهرون ويختفون في لعبة تبادل أدوار لا تنتهي… يتصدّرون مواقع السيادة بغير انقطاع، وكأن البلاد لم تخلق سواهم ».

واختار الأديب المغربي محمد سعيد الريحاني الكتابة عن الثورة الليبية في روايته « عدو الشمس (البهلوان الذي صار وحشا) »، وفيها يرصد الواقع الأليم الذي عاشه الشعب الليبي تحت سيطرة الديكتاتور معمر القذافي.

وفي حوار صحافي مع صاحب الرواية يقر بأنه كتب هذه الرواية على هامش الربيع العربي خلال تسعة أشهر (بين فبراير ونونبر 2011، ويصنفها بأنها تراجيكوميديا عسكري يبحث عن علاج لأمراضه النفسية والعقلية في كرسي الحكم، بينما الشعب ينتظر منه قيادته نحو الأفضل. ومن حيث التقنية الموظفة في هذه الرواية، فتتمثل في تقنية الحذف الذي يولد السخرية بفعل الارتطام المستمر مع اللامتوقع. واعتبر الكاتب بأنه أكثر ميلا للسخرية من كتاب كبار أمثال سينيك وجورج برنارد شو وغيرهما.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي