تواطؤوا للاتفاق حول الأسعار.. عقوبات مالية كبيرة وشيكة ضد شركات المحروقات

19 سبتمبر 2019 - 22:01

خلصت التحريات والأبحاث التي قام بها مجلس المنافسة في ملف أسعار بيع المحروقات في الأسواق المغربية، إلى ثبوت وجود تواطؤ للاتفاق حول الأسعار بين 9 من شركات توزيع هذه المواد الحيوية، ووجه المجلس رسميا مؤاخذاته إلى هذه الشركات، إلى جانب التجمع المهني المغربي للموزعين.

مصادر موثوقة قالت لـ»أخبار اليوم» إنه وبعد التقرير الأولي الذي حسم فيه المجلس طلب الحكومة تسقيف أسعار المحروقات في الأسواق المغربية بالرفض، والذي رافقته مؤاخذة رسمية من المجلس للحكومة حول طريقة تدبيرها هذا الملف؛ «انكب» المجلس على دراسة الإشكالات الأخرى، وتبيّن له رسميا وجود اتفاق بين شركات عاملة في هذا المجال، وقام بتبليغ المعنيين بهذه المؤاخذات رسميا».

الخلاصات التي انتهى إليها مجلس المنافسة بشأن وجود اتفاق بين شركات المحروقات العاملة في السوق المغربية، والتي كان الزملاء في موقع «ميديا24» سبّاقين إلى كشفها مساء أول أمس؛ تعتبر الإقرار الرسمي الثالث بوجود تواطؤ بين هذه الشركات على حساب المستهلك، حيث كان والي بنك المغرب، عبداللطيف الجواهري، أول من تحدث عن ذلك من موقع رسمي، حيث قال في ندوة صحافية عقدها في شتنبر 2016، إن هناك تفاوتا بين أسعار المحروقات وما تظهره الأسواق العالمية للبترول. «صحيح أن تقلبات أسعار البترول في الأسواق الدولية لا تنعكس على أسعار المحروقات بالمغرب، لكن هذا ليس اختصاصنا، وهو يعني أن المنافسة بين الفاعلين لا تؤدي دورها المفترض»، يقول الجواهري في جواب عن سؤال لأحد الصحافيين.

أنياب المنافسة

الإقرار الرسمي الثاني بهذه التلاعبات بسوق المحروقات، ورد في التقرير النهائي للمهمة الاستطلاعية التي قام بها مجلس النواب بهذا الشأن، والذي سجّل وجود «تقارب بين أسعار البيع المطبقة على مواد المحروقات بين مختلف الشركات والمحطات في مختلف المناطق والجهات، خاصة عند بداية التحرير، مع تسجيل تغيير في هذا التقارب مؤخرا»، علما أن التقرير نُشر في فبراير 2018. كما سجّل التقرير تنامي إحداث محطات الوقود بنسبة عالية مقارنة مع مرحلة ما قبل التحرير، أي مرحلة ما قبل حذف الدعم الذي كان صندوق المقاصة يقدمه لموزعي المحروقات. كما خلص التقرير في نسخته الرسمية التي خضعت لكثير من المفاوضات والتوافقات، إلى أن أرباح مسيري وأرباب محطات الوقود لا تتغير، بل يحتفظون بهامش الربح عينه، حتى في فترات انخفاض الأسعار عالميا.

مصدر جيّد الاطلاع على كواليس الملف قال لـ»أخبار اليوم»، إنه وقبل أي حديث عن التفاصيل، فإن «الشيء المؤكد، والذي لا مفرّ منه، هو أن المجلس سيصدر عقوبات مالية ضد جميع هذه الشركات بغض النظر عن كيفية تعاملها مع مؤاخذات المجلس، وهذا الأمر يتمّ بعيدا عن أي اعتبارات سياسية أو اقتصادية، وبعد إطلاع رسمي للسلطات العليا على ما خلصت إليه أبحاث المجلس».

وشدّد المصدر نفسه على أن المؤسسة الدستورية التي تم إحياؤها مستهل العام الحالي بتعيين رئيسها، من طرف الملك، وأعضائها الجدد من طرف رئيس الحكومة، تشتغل «بعيدا عن أي ضغوط أو تأثيرات وستواصل عملها في هذا الملف بناء للقانون، وفي احترام دقيق لمقتضياته».

مصادر من داخل الفاعلين في قطاع توزيع المحروقات في المغرب، قالت لـ»أخبار اليوم» إن الشركات المعنية بمؤاخذات المجلس سارعت إلى الاستعانة بمكاتب ومؤسسات كبرى للاستشارة القانونية، بهدف تحضير ردودها على مراسلات المؤسسة الدستورية. وفيما خلصت الفروع الأجنبية للشركات متعددة الجنسيات بسرعة إلى اختيار مسطرة عدم المنازعة، أو ما يعرف باللغة الفرنسية بـ »procédure de non contestation des griefs »، والتي يسمح القانون باللجوء إليها داخل أجل شهرين من التوصل بمراسلات المجلس الرسمية المتضمنة للمؤاخذات المسجلة؛ استنفدت شركات أخرى عاملة في السوق المغربية هذا الأجل دون التعبير عن «الاعتراف» وطلب التفاوض والنقاش حول تفاصيل المؤاخذات، فيما استعانت إحدى كبريات الشركات المغربية العاملة في هذا المجال، بمكتب محاماة كبير في مدينة الدار البيضاء، معروف باشتغاله على الملفات الكبرى وذات الأبعاد الدولية أو الاقتصادية الاستثنائية.

وفيما اكتفت مصادر «أخبار اليوم» بالقول إن القانون ينص على فرض غرامات تصل إلى 10 في المائة من رقم معاملات الشركات المرتكبة لمخالفات في السوق، وإن من سلكوا مسطرة عدم المنازعة يستفيدون من تخفيض سقف هذه العقوبات إلى 5 في المائة، امتنعت المصادر نفسها عن تقديم أي تقدير لقيمة هذه العقوبات المالية المنتظرة، مكتفية بالقول إن أرقام معاملات بعض الشركات، خاصة منها الوطنية الكبرى وتلك متعددة الجنسيات، تقدّر بـ»الملايير».

وبينما رفضت مصادر «أخبار اليوم» جيّدة الاطلاع الإفصاح عن أسماء المعنيين بالعقوبات المنتظرة أو تحديد الشركات الأجنبية الثلاث التي سلكت مسطرة عدم المنازعة في المؤاخذات الموجهة إليها، فإنه وبالعودة إلى التقرير التركيبي للمهمة الاستطلاعية حول أسعار بيع المحروقات السائلة للعموم وشروط المنافسة بعد قرار التحرير، كما نُشر في الموقع الرسمي لمجلس النواب، يقول إن هناك 20 شركة لتوزيع المواد البترولية السائلة في المغرب، منها ثلاثة فروع لشركات متعددة الجنسيات تخضع للقانون المغربي، وهي كل من «فيفو إينرجي المغرب»، التي تحمل محطاتها علامة «شيل»، و»طوطال المغرب»، و»ليبيا أويل المغرب».

ضربة موجعة

مصادر كانت معنية ببعض مراحل اشتغال مجلس المنافسة على ملف المحروقات، قالت لـ»أخبار اليوم» إن السرعة التي انتهت بها تحريات المجلس حول الموضوع وما خلصت إليه من ثبوت للاتفاق حول الأسعار، «يعني أن التجاوزات كانت كبيرة وفاضحة، لأن مثل هذه العمليات تتطلّب سنوات من البحث والتحري في تجارب أخرى من بينها دول أوربية عريقة في مجال تقنين السوق بمؤسسات مماثلة». وحول ما إن كانت تحريات المجلس قد استعانت بالوسائل القضائية للتحري من قبيل الشرطة القضائية والنيابة العامة، قال المصدر نفسه إن «هذا مما لا يمكن التطرّق إليه احتراما لأمور ينبغي أن تظل سرية، إلى أن يقرر المجلس إعلان خلاصاته بنفسه».

وفيما يلفّ مجلس المنافسة انكبابه على هذا الملف بتكتّم شديد، كشفت بعض السوابق في تعاطي هذه المؤسسة الدستورية مع الممارسات المنافية للقانون في السوق المغربية، عن تحرّكات تقوم بها اللوبيات المهددة بإجراءاته للحد من فعاليته. ففي فبراير 2015، وفي الوقت الذي كان المجلس ينتظر تجديد أعضائه ورئيسه لممارسة صلاحياته التقريرية التي حصل عليها في القانون الجديد الذي صدر في يونيو 2014، قال الرئيس السابق للمجلس عبدالعالي بنعمور في لقاء تواصلي للتعريف بصلاحياته الجديدة، إنه «عندما كنا نطالب بالإصلاح، لا أحد كان ضدنا، سواء في الإدارة أو العالم الاقتصادي أو القضاء أو الصحافة، لكن في الوقت نفسه نتساءل لماذا تطلب الأمر ست سنوات كاملة؟ لماذا كان الكل يصفق، لكنه لم يمر؟ الفاهم يفهم، هناك جهات لديها مصالح لم تكن تريده، لكننا الآن وصلنا إلى نتيجة مهمة».

قبل ذلك بعام واحد، وبمناسبة نشره تقريره السنوي في يونيو 2014، كشف مجلس المنافسة عن فحوى الرأي الذي خلص إليه بعد قيامه بالتحري في قضية الزيادة في سعر الحليب، والذي طلبته منه الحكومة بعد قرار الزيادة الذي اتخذته شركة «سنطرال» صيف العام 2013. المجلس كشف حينها عن عدم صحة المبرّر الذي قدّمته الشركة ومعها باقي المنتجين الذين سارعوا إلى تطبيق الزيادة، والمتمثل في ارتفاع تكاليف الإنتاج، كما أكد المجلس في رأيه وجود مؤشرات عن احتمال وجود اتفاق بين الشركات المنتجة للحليب، للقيام بتلك الزيادة، وبالتالي، ارتكابها لممارسة منافية لقانون المنافسة. هذه الخلاصات كانت أقصى ما يسمح به القانون المنظم للمجلس، قبل أن يصدر القانون الجديد الذي خوّله صلاحيات تقريرية تتضمن إنزال عقوبات مالية بالمخالفين.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي