عبد الحق بلشكر يكتب.. «موت» خارج الحكومة

08 أكتوبر 2019 - 18:00

المعارضة السياسية مفهوم نبيل، لكنها، مع الأسف، أصبحت مرادفا للموت السياسي في تجربتنا الحزبية المغربية. فكل حزب لا يشارك في الحكومة بات مهددا بالموت، وكل حزب قرر الخروج للمعارضة إلا ويخشى النهاية. وقد لخص نبيل بنعبد لله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، هذه المعادلة الغريبة، فقد كان يدرك خطر هذا الشعور بعدما دفع حزبه إلى اتخاذ موقف «تاريخي» بالخروج من الحكومة، بعد 20 سنة من المشاركة، وهو يعرف «خوف الرفاق» على مصيرهم، وتوجسهم من مستقبل حزبهم.

لقد قال لأعضاء اللجنة المركزية مطمئنا: «لا تقلقوا.. هناك حياة خارج الحكومة.. لن نذهب إلى المجهول»، بل إنه أخبرهم بأن وجودهم في المعارضة لن يطول كثيرا، وأنهم سيعودون بشكل أفضل إلى الحكومة بعد انتخابات 2021، وأن موقف المعارضة لن يجر على الحزب «الضربات» من الجهات المعنية، لأن الحزب أخذ كل «الاحتياطات» قبل اتخاذ هذا القرار، وأن الحزب لم يتلق من خلال «الاتصالات» أي شيء يفيد بغضب «الجهات المعنية» من هذا القرار.

هل كان ضروريا أن يتحدث بنعبد لله لنخبة من حزبه بهذه الصراحة؟ أليست المبررات السياسية كافية لتبرير الخروج من الحكومة؟ أليس الانتقال إلى المعارضة موقفا شجاعا عاديا قد تفرضه الظروف السياسية؟ يدرك نبيل أن 20 سنة من مشاركة حزبه في الحكومة رافقتها تحولات عميقة في نخب الحزب وبنيته الاجتماعية، وأن الحقائب الوزارية والدواوين والمناصب خلقت امتيازات ومصالح ليس من السهل التخلي عنها والركون إلى المعارضة. وهذه ليست حال التقدم والاشتراكية وحده، فأغلبية الأحزاب باتت ترفض موقع المعارضة خشية الموت.

وقد حدث الموقف نفسه مع حزب الاستقلال في عهد أمينه العام السابق، حميد شباط، الذي قرر الانسحاب من حكومة عبد الإله بنكيران سنة 2013 في ظروف غامضة، مطمئنا حزبه إلى أنه لن يبقى مدة طويلة في المعارضة، لأن الحكومة ستسقط قريبا، وهو ما لم يتحقق. وها هو حزب علال الفاسي يؤدي ثمن هذا القرار بعدما فُرضت عليه «معارضة قسرية» وصلت مدتها إلى 6 سنوات.

ونتذكر الحالة التي عاشها حزب الاتحاد الاشتراكي سنة 2012، بعد تصويته على رفض المشاركة في الحكومة، وما عاشه من انتكاسة وجمود، إلى درجة أنه سعى إلى المشاركة في حكومة العثماني في 2017 بأي ثمن، وتردد حينها أن الحزب إن لم يشارك «سيموت».

أما حزب الأصالة والمعاصرة، فقد أُسس أصلا ليكون حزبا يقود الحكومة، فالمعارضة لم تكن مطروحة في جدول أعماله، لكن الرياح جرت بما لا تشتهيه سفنه، فكانت النتيجة هي احتضاره. وحتى حزب العدالة والتنمية، الذي تصدر الانتخابات في 2011 و2016، بات مستعدا لكل التنازلات، حتى وإن لم تحترم إرادة الناخبين. وعندما ارتفعت أًصوات داخله تنادي بالعودة إلى المعارضة، كان الرد: «سنعارض من؟ هل نعارض الملك؟».

مضى ذلك الزمن الذي كانت فيه المعارضة تعبر عن المجتمع، وتثير الفزع، وتحرك الشارع، وتخترق المجتمع المدني، وتقود النقابات، وتخلق التوازن المطلوب مع السلطة الجامحة، وتفاوضها من موقع قوة. مضى ذلك الوقت الذي كانت فيه المعارضة عنوانا للتنافس السياسي، وتشكل فيه مع الحكومة وجهين لعملة واحدة هي الديمقراطية؛ الحكومة تنشغل بالتدبير السياسي والإداري، والمعارضة تنبه وتنتقد وتعبر عن مواقف المجتمع، وتنتظر الفرصة ليقودها الناخبون إلى الحكم عبر صناديق الانتخابات.

أين نحن من عقلنة الحياة السياسية حول أقطاب سياسية واضحة؟ ماذا حدث لحياتنا السياسية، خلال العشرين سنة الماضية، حتى أصبحت كل الأحزاب تتلهف إلى المشاركة في الحكومة بأي ثمن؟ اليساري واليميني والإسلامي والمحافظ والإداري، كلهم متحالفون. الكل مع الكل. لم تعد الأحزاب مهتمة بأن تكون لها قواعد وحضور ميداني، بقدر اهتمامها بمنافع المشاركة، بل أصبحت معظم الأحزاب مقتنعة بأن الوجود في الحكومة وكسب رضا السلطة وجلب الأعيان هو الذي يقوي فرص الفوز في الانتخابات، وليس الحضور الميداني وخوض غمار المعارضة.

إنها تحولات سياسية واجتماعية جديرة بالتحليل من لدن الأكاديميين والباحثين، وتسائل عدة مفاهيم من قبيل؛ الحزب السياسي والتعددية والأغلبية والمعارضة والانتخابات والتمثيل السياسي، كما تطرح تساؤلات حول تقسيمات الأحزاب، فقد كنا نتحدث عن أحزاب الإدارة مقابل أحزاب الحركة الوطنية، ثم أحزاب المناضلين مقابل أحزاب الأعيان، واليوم سيكون علينا اكتشاف تقسيمات جديدة قادرة على تفسير ما يجري، لأن الكثير من «المناضلين» تحولوا إلى أعيان، وعدد من الأعيان أصبحوا «مناضلين»، واختلط الحابل بالنابل، حتى أصبحت المعارضة موتا والحكومة حياة.. ولله في خلقه شؤون.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي