سليمان الريسوني يكتب.. الترجي التونسي

16 أكتوبر 2019 - 18:20

كتب أحدهم على الفايسبوك يقول: «غريب أمر المغاربة.. قبل مدة كانوا يهاجمون التونسيين بسبب مباراة الوداد البيضاوي والترجي التونسي، والآن يشيدون بهم بسبب انتخابهم قيس سعيد رئيسا للبلاد!». فكرت مليا في «المفارقة»، فوجدتها تخلو من أي مفارقة؛ لأن الترجي الحقيقي لكل الشعوب المغاربية والعربية، والمغرب ضمنها، هو أن تنتصر إرادتها، حيث يؤدي ترسيخ الديمقراطية في التربة التونسية إلى جعل المنطقة قريبة مما يجري في تونس، كما قال صلاح الدين مزوار، الذي دفع رأسه مقابل هذا الـ«catharsis» التاريخي.

هل نعرف قيمة أن يفاجئ الناخب نُخبه السياسية الغارقة في انقساماتها وصراعاتها الإيديولوجية، وينتخب، في آخر لحظة، رئيسا لم تتوقعه يوما؟ هل نعرف ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة إلى شعوب يُنصَّب أميرها أو ملكها أو حتى رئيسها في جمهوريات التوريث، قبل عقود من وصوله إلى الحكم، ويقعد المواطن يراقبه، يوما على يوم وشهرا بعد شهر وسنة إثر أخرى، طفلا ومراهقا وشابا وشيخا يراكم الأخطاء دون أن يقوى على مساءلته، بله أن يجرؤ على رفضه؟ هل نعرف قيمة ما حدث في تونس لشعوب على هذه الحال؟

إن ما تشترك فيه الديمقراطية مع الأعمال الأدبية والدرامية الخالدة، هو قدرتها على تكسير أفق انتظار المتابع إياها؛ ففي الوقت الذي كان العالم يتساءل: هل سيأتي الرئيس المقبل من الدولة العميقة أم من الإسلاميين أم من اليسار؟ خرج التونسيون وقالوا: سيأتي منا، نحن الغاضبين على أحزاب تركت قضايانا الحقيقية وغرقت في صراعات إيديولوجية تقع في ذيل سلم أولوياتنا، وعندما ترتاح من صراعاتها، تنقسم على بعضها (انتخابات الدور الأول دخلها الإسلاميون بثلاثة مرشحين، واليساريون بثلاثة آخرين، فيما خاضتها الدولة العميقة وتفرعاتها بسبعة مرشحين).

توطين الديمقراطية في تونس هو ما تترجاه كل شعوب المنطقة، بما في ذلك بعض من يوجدون في مربع الحكم أو مروا منه، والذين تجدهم يتحينون الفرصة للإجهار بأن ساعة الحقيقة ستدق قريبا، لأن كل العقارب تشير إلى ذلك. لنستمع إلى صلاح الدين مزوار الذي خرج يشيد بنتائج الانتخابات التونسية والحراك في الجزائر، ويقول إن المغرب لن يكون بمنأى عما يحدث في هذين البلدين الجارين. لقد كان بلاغ وزارة الخارجية المغربية ذكيا في بهدلة رئيس المقاولين، الذي لم يسبق أن سيَّر أي مقاولة، باستثناء مقاولة التجمع الوطني للأحرار، عندما اختزل (بلاغ الخارجية) كل ما قاله مزوار في موقفه مما يحدث في الجزائر، وكأن صاحب البلاغ –لا أقصد بوريطة طبعا- أراد أن يقول للجزائريين: «انظروا إلى الدولة المغربية كيف وبخت رئيس جمعية للمقاولين، عندما تحدث عن الشأن الداخلي للجزائر، فرجاءً، انفضوا أيديكم من شؤوننا الداخلية». مزوار، في تقديري، لم يوبَّخ على ما قاله عن الجزائر، بل على جرأته المفاجئة في الحديث عن أن التحولات التي تقع في المنطقة المغاربية سوف يكون للمغرب نصيب منها.

إن وصول قيس سعيد إلى قصر قرطاج هو تحقق لنبوءة المفكر ووزير خارجية الأردن السابق، مروان معشر، الذي توقع، في كتابه: «الصحوة العربية الثانية والمعركة من أجل التعددية»، أن تتمرد الشعوب العربية، وفي طليعتها الشباب، على الأنظمة وعلى الإسلاميين معا. ففي الكتاب الذي نشره بعد ثلاث سنوات من انطلاق الربيع العربي (2014)، يقول هذا المفكر والسياسي الأردني إن نجاح حركة الصحوة العربية الثانية سيعتمد، بالأساس، على المجتمعات والشعوب العربية التي عاشت مدة طويلة تحت سطوة الأنظمة الحاكمة، من جهة، وتحت تأثير الحركات الإسلامية، من جهة أخرى، وكلاهما لم يفلح في تحقيق نموذج حقيقي أصيل للتعددية، وهو ما يجعلنا بحاجة إلى قوة ثالثة يشكل عمادها الشباب العربي الذي نزل إلى الشوارع مؤمنا بجوهر الديمقراطية وبحقه في الحرية. هذا ما حدث مع قيس سعيد الذي رشحه الشباب، وهم الذين قادوا حملته بإمكانيات بسيطة، وخطاب أكثر بساطة ينفذ بسرعة إلى القلب وببطء إلى العقل. لكن هذه إرادة شعب يقول نشيده الوطني: «إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر».

قد نتفق أو نختلف حول رئيس تونس الجديد، لكننا بالتأكيد لن نختلف حول أنه بعد خمس سنوات سيصبح قيس سعيد مواطنا عاديا، يقف في طابور التصويت، وقد ينتخبه التونسيون لولاية ثانية وأخيرة، وقد لا يفعلون، وبعدها يعود إلى منزله وجامعته كما كان. لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية، وها هو الترجي التونسي يحقق فوزا كاسحا على اتحاد الفساد والاستبداد. ومن المؤكد أن نسائم الياسمين ستهب وستحمل الرياحُ اللواقحُ أريجَها الديمقراطي شرقا وغربا وجنوبا.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي