مغرب يهرب منه أطفاله

17 نوفمبر 2019 - 20:00

ليس كل ما يلمع ذهبا. يصح هذا القول على إسبانيا التي يشاهدها الحالمون المغاربة بالهجرة إليها في التلفزيون أو من طنجة في الليالي المضيئة. فذلك الفردوس الذي يتخيله البعض لا وجود له، لكن، على الأقل، يمكن المرء أن يضمن له في الضفة الأخرى مستقبلا أفضل عجز وطنه الأم عن منحه إياه.

 

وصل إلى جهة فالينسيا الإسبانية نحو 945 قاصرا غير مصحوبين خلال السنة المنصرمة، أي أن العدد تضاعف خمس مرات مقارنة بسنة 2017. أغلب هؤلاء وصلوا على متن قوارب الموت إلى شاطئ «سانتا بولا». وهناك من وصل إلى هذه الجهة، برا، أسفل شاحنات النقل، على سبيل المثال لا الحصر. وهناك من وصل على متن الحافلة، مثل هذا الشاب الذي فضل عدم كشف هويته، وهو واحد من الأطفال الـ17 الذين وجدوا عائلات تعيلهم. بالنسبة إلى هذا الشباب، يتعلق الأمر بأحد أقاربه.

ساعات في الجحيم 

خرج هذا الشاب من طنجة، وقضى في أعماق البحر 12 ساعة من الجحيم. بعد مجيئه من المغرب، أسكن في مركز لإيواء القصر، قبل أن يهرب بحثا عن شقيقته التي تعيش في فالينسيا. «نحن سعداء»، تقول الشقيقة وهي تنظر إلى أخيها الذي يضع مسافة بينه وبين المجموعة، ويكتفي بالنظر.

هو شاب طويل القامة وخجول. يرتدي ملابس رياضية مريحة، ويضع قبعة بشكل عكسي، فيما خيوط سماعات الأذن تتدلى على الكتفين. رغم أنه صامت، إلا أنه يقظ ويتابع كل كبيرة وصغيرة. انخرط في تعلم اللغة الإسبانية. لا يرغب في الحديث، ولا يتكلم إلا عندما يحفزه زوج شقيقته على الإجابة، لاسيما عندما ينصرف النقاش إلى الحديث عن معشوقيه؛ برشلونة وميسي.

اعتاد سماع الموسيقى الجزائرية المعروفة بـ«الراي»، إلى جانب موسيقى الراب المنتشرة في البلد الجار المغرب. يبلغ اليوم من العمر 17 عاما، ويؤكد باللغة العربية أن هدفه هو «إيجاد شغل».

«اليوم، الحياة في إسبانيا ليست كما كان يُتخيل في المغرب. إنها صعبة وقاسية، هذا واقع لا غبار عليه، لكنه في وضع جيد وهادئ، ويشارك في أشغال البيت، كما يساعد في تربية الأطفال»، يقول صهره الذي يشتغل في مصنع، ويبلغ من العمر 35 عاما وهو أب لثلاثة أطفال، والذي فضل، أيضا، عدم كشف هويته أو الظهور في الصورة. حتى زوجته، التي قامت من المائدة لإعداد الشاي المغربي، لا ترغب في كشف هويتها.

تنحدر الأسرة من قرية صغيرة بوسط المغرب. لم تكن تعلم العائلة، لا في إسبانيا ولا في المغرب، أن ابنها القاصر صعد إلى قارب الموت مغامرا بحياته؛ إلا بعد أن اتصل بهم عبر هاتف صديق له لإخبارهم بأنه في إسبانيا، بحثا عن مستقبل أفضل لم يضمنه له بلده الأصلي. في الحقيقة، اقتفى أثر شقيقته وصهره اللذين فعلا الشيء نفسه قبل 15 عاما.

«اليوم، تحسنت الأوضاع في المغرب كثيرا، لكن ليس في ما يتعلق بالأجور»، يقول الصهر، ويضيف أنه تربطه علاقة جيدة بباقي زملائه في العمل، أغلبهم إسبان.

إنها واحدة من الأسر التي جرت معها عملية احتضان أحد القصر بالتراضي ودون أي صعوبات. تشرح المديرة العامة للطفولة والمراهقين، روسا موليرو، أن هدفها هو أن يتمكن الأطفال القصر الذين يصلون بمفردهم من إيجاد أسر مستقرة بإسبانيا تحتضنهم، وليس فقط تلك العائلات المغربية، هنا، التي تجمعهم بهم علاقة قرابة. حالة هذا الشاب تشكل الاستثناء وليس القاعدة في كل التراب الإسباني، لأن السواد الأعظم من الأطفال غير المصحوبين يستمرون في العيش بمراكز الإيواء دون أسر حاضنة.

مع ذلك، فنظام الحماية في جهة فالينسيا تمكن من إيجاد أسر حاضنة لـ65 في المائة من هؤلاء الأطفال في الجهة.

أطفال ضحايا

يجب التذكير، كذلك، بأن بعض البلديات ترفض احتضان مراكز إيواء القصر غير المصحوبين، رغم ارتفاع أعداد هؤلاء القصر والمشاكل التي يطرحها هذا الارتفاع. «لكن، يجب الاعتراف بأن بلديات أخرى تتجاوب بشكل جيد. في نهاية المطاف، هؤلاء الأطفال ضحايا ويجب مساعدتهم»، تؤكد روسا.

«نحن ندافع عن حقوق هؤلاء الأطفال، بينها الحق في الاستماع إلى مشروعهم في الحياة. هم لا يرغبون جميعا في البقاء بإسبانيا. وإضافة إلى ذلك، فحتى القانون يفرض علينا مساعدتهم. ونحن ندرس إن كان لديهم وضع اللاجئ، ونقوم بمساعدتهم في هذه العملية. هناك عاملان محددان في عملية الاندماج؛ معرفة اللغة والثقافة، لذلك، لدينا برامج ووسطاء ثقافيون، أشخاص يتحدثون لغتهم، لأنهم يأتون قلقين ومهزوزين جراء أوضاع معقدة»، تبرز روسا. أغلبهم يهاجرون من المغرب الكبير، ويبلغ متوسط معدل أعمارهم 17 ربيعا.

في النهاية، تحذر روسا من خطر الشبكات الإجرامية على هؤلاء الأطفال، والتي تقوم بمحاصرتهم من أجل مطالبتهم بالأموال أو تصفية حسابات أو استغلالهم. هذا الخطر يزداد عندما يتعلق الأمر بالأطفال غير المصحوبين الذين يسقطون بين أيدي الشبكات الإجرامية المتخصصة في دعارة الأطفال.

وعلى غرار الذكور، تهاجر القاصرات أيضا من بلدانهن الأصلية، لكن أغلبهن لا يصلن إلى مراكز الإيواء، تبين روسا.

مع ذلك، تصر هذه الخبيرة والقيدومة في حماية الأطفال على أن هؤلاء الأطفال غير المصحوبين ليسوا مشكلا، بل هم ظاهرة يجب طرحها للنقاش.

تجارة مربحة للمافيا

استسلم كريم في فصل الصيف لقدر استحالة بلوغ الضفة الأخرى. قضى أكثر من 6 أشهر وهو يخطط لكيفية السفر من الناظور إلى الجزيرة الإيبيرية. هذا الشاب المغربي، الذي فضل عدم كشف هويته الحقيقية، كان قد اقتنى مع أصدقاء له قاربا؛ ودفع ثمن كل التحضيرات التي تسبق الإبحار، بما ذلك إرشاء بعض الوسطاء والأشخاص الذين سيضمنون لهم عدم انتباه البحرية الملكية ولا الدرك الملكي إليهم لحظة الإبحار. كل واحد منهم أسهم بـ20 ألف درهم لإتمام عملية الإبحار، لكن دون جدوى. في شهر يونيو، جرب كريم حظه للمرة الأخيرة خلال عملية «حريك» نظمها بعض المهربين. كان بإمكانه دفع الـ30 ألف درهم مسبقا أو انتظار دفع 50 ألف درهم كاملة عند الوصول. «إنك تدفع العربون»، يوضح كريم. في النهاية، اختار الخيار الثاني، وانتهى به الأمر إلى متابعة القارب يمخر عباب البحر دونه.

تحولت الهجرة في المغرب إلى تجارة في تصاعد، وفق تصريحات المهاجرين العالقين في الناظور من مختلف الجنسيات، بل حتى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. ضغط السلطات المغربية على الهجرة، بتمويل من الاتحاد الأوروبي، يوضح هامش ربح المافيا. «سعر عبور البحر بالنسبة إلى الآتين من إفريقيا جنوب الصحراء انطلاقا من الحسيمة والناظور ارتفع بنسبة 30 في المائة مقارنة بالسعر المنتشر في الشهور الأولى في 2019»، وفق ما أعلنه موظفو وكالة مراقبة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي (فرونتيكس).

«إذا أراد أي كان اليوم العبور من الناظور إلى مليلية عليه على الأقل دفع 20 ألف درهم»، يقول أحد المهاجرين بالناظور. هذا المهاجر يعول على خدمة المافيا للعبور إلى أوروبا. من جهة ثانية، أدى تشديد المراقبة على المهاجرين غير النظاميين في الشمال إلى انتقال تدفقات الهجرة إلى منافذ أخرى بعيدة، وربما أكثر خطورة، في البحر الأطلسي، مثل الداخلة، والصحراء الغربية، والمهدية وسلا والقنيطرة والرباط. هناك من المهاجرين من يخرج من وسط المغرب صوب سبتة، وهناك من يبحر من الجنوب إلى جزر الكناري.

 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي