العربي المساري: لا وجود لاتفاقية "إيكس ليبان" بل هو برنامج سياسي للحكومة الفرنسية

18 نوفمبر 2019 - 23:00

بعد نشرها ملفا حول أسرار مفاوضات حصول المغرب على الاستقلال وتطرقها للقاءات “إيكس ليبان”، وذلك في شهر مارس 2010، توصّلت “أخبار اليوم” يومها بتعقيب من الصحافي والكاتب الراحل العربي المساري، وجّهه إلى مدير نشر الجريدة توفيق بوعشرين، هذا نصّه الكامل:

“عزيزي توفيق

تضمن ملف السبت نبذة عن “إيكس ليبان” أود أن أنبه إلى أنها اشتملت على معطيات تتطلب إيضاحا. وها أنذا أفضي إليك بتعقيب ليس للنشر، وإنما أريد به فقط، التنبيه إلى ضرورة التدقيق لدى التعرض لأحداث تاريخية.

فقد ورد في العنوان أن هناك وثيقة تسمى “اتفاقية إيكس ليبان”. وهذا شيء لا وجود له بتاتا. إلا أنه تردد بغزارة حتى أصبح من قبيل مقولات “غوبلز”. وهذا ما أملى عليّ أن أخصص لموضوع “إيكس ليبان” فصلا مدققا في كتابي: “محمد الخامس من سلطان إلى ملك”. أنصح بالرجوع إليه. (من ص 217 إلى ص 257)

إن “إيكس ليبان” اسم لمصطاف فرنسي جمع فيه رئيس الحكومة آنذاك “إدغار فور” لجنة مؤلفة من خمسة وزراء، يمثلون تيارات متباينة في تشكيلته الحكومية الائتلافية بقصد الاستماع إلى من اعتبرهم “ممثلين للرأي العام المغربي”. وهم 34 شخصية مغربية من المخزن وشخصيات تقليدية، وممثلي كل من حزب الاستقلال وحزب الشورى ووطنيين غير ملتزمين، وذلك لكي يقدموا أمام اللجنة تصوراتهم لحل الأزمة المغربية.

وبعد جلسات الاستماع التي عقدت مع كل وفد على انفراد لأن حزب الاستقلال رفض أن يقعد في طاولة واحدة مع ممثلي المخزن من المقري والكلاوي والكتاني وأضرابهم. ثم  اجتمعت الحكومة الفرنسية وأعدت مخططا قررت إيفاد مبعوث إلى مدغشقر للتفاوض حوله مع السلطان، لأن هذا هو الشرط الأساسي للوطنيين، باعتباره السلطان الشرعي المؤتمن على السيادة.

واستخلصت الحكومة الفرنسية من جلسات الاستماع تلك برنامج عمل يقضي بنقل محمد الخامس إلى فرنسا، وإبعاد ابن عرفة، وتشكيل مجلس وصاية وتشكيل حكومة للتفاوض وإقامة علاقات جديدة بين المغرب وفرنسا. وقد دخلت الحكومة الفرنسية في تطبيق هذا المخطط بعد الاتفاق عليه مع السلطان المنفي، بعد تفاوض تم مع الجهة التي أصر الوطنيون طيلة شهور عديدة على أنها الوحيدة المؤتمنة على الشرعية.

وفيما يلي ما كتبه الزعيم محمد حسن الوزاني في جريدة “الرأي العام” بعد تشكيل حكومة البكاي في دجنبر 1955:

” تشكلت الحكومة المغربية المؤقتة يوم الأربعاء، وبتشكيلها تحققت آخر نقطة من اللائحة السياسية التي نشأت عن استشارات “إيكس ليبان”. هذه اللائحة التي دعيت باطلا باتفاقات “إيكس ليبان”، وهي ليست اتفاقات بالمعنى المفهوم أو المتعارف لهذه الكلمة، في الاصطلاح السياسي الحديث. فكل من تحدث عن “اتفاقات إيكس ليبان” من الفرنسيين أو غيرهم، إنما ارتكب غلطا أو ذهب ضحية مغالطة لا أقل ولا أكثر..

والأمر إذن، لا يخرج عن برنامج سياسي أقرته الحكومة الفرنسية، ولم يكن نتيجة “اتفاقية” مع الوطنيين، لأن هؤلاء كما بينت في كتابي بالوثائق قرروا أنهم لن يتوجهوا إلى “إيكس ليبان” بقصد التفاوض، وإنما للتعبير عن مواقفهم.

ولكن ترويجا كبيرا حدث لمقولة “اتفاقية إيكس ليبان”، إلى حد طمس حقيقة ما حدث. بل وقع التزيّد وقلب الحقائق وإضافة أبازير من صنع الخيال، ومنها ما نشر في منتصف شهر يناير الماضي حيث قرأت لأول مرة في حياتي أنه كان هناك اتفاق سري مع حزب الاستقلال يقضي بفرنسة المغرب، في مقابل إطلاق يد الحزب في مصير المغرب لمدة مائة عام، وهو ما لم يحدث بطبيعة الحال، بل إن زعيم الحزب بمجرد ما دخل من المنفى في شهر غشت 1956 تعرض في بولمان لـ32 رصاصة بغرض تصفيته وكخطوة للقضاء على الحزب، وليس لبقائه في الحكم مائة سنة.

وورد في النبذة المشار إليها المنشورة في “أخبار اليوم” أن الاتفاق على الاستقلال الناقص كان من مقتضياته استئثار الرأسمالية الفرنسية بثروات البلاد، وتفويت قسط منها إلى البورجوازية المغربية، وهذا من مبتكرات الخيال السياسي الذي أنتج مقولة “الاستقلال الناقص” الذائعة الصيت.

لقد نشرت عدة مرات بدون تمحيص أقوال تقدم تفسيرا مبتكرا لما حدث يشوش على الحقيقة التاريخية، ويقدم اجتهادات تتعارض مع الواقع بكيفية صارخة.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي