محطة «نور» ورزازات.. الطاقة الشمسية على حساب الماء والفلاحة؟

03 ديسمبر 2019 - 20:00

وفقا للسلطات، سيستخدم المشروع أقل من 1%  من متوسط قدرة السد المائية، وفي هذا الصدد يقول مصطفى سلام، مدير الموقع، إن إجمالي المياه التي يستخدمها المجمع لا تتعدى في الواقع 0.5 في المائة من إجمالي المياه المختزنة في السد، وهي نسبة ضئيلة للغاية مقارنة بطاقة السد الاستيعابية.

غير أنّ المعاينة الميدانية توحي بأن الماء يُستهلك بكثرة، وعاينت “أخبار اليوم” الصهاريج الكبيرة المخصصة لنقل المياه إلى المشروع وسط المركب، والقنوات الضخمة لنقله من السد إلى المضخة المشيدة بجانب الطريق الرئيسة، حيث تجري إضافة (مواد غير معروفة إلى الماء، قبل أن تتم عملية نقله من المضخة المذكورة، إلى المركب الضخم للطاقة الشمسية عبر القنوات.

عادَ الهدوء والصمت “المريب” إلى القرى المتاخمة لمشروع محطة “نور” ورزازات، مشروع ضخم علقَ عليه المغرب شماعته البيئية لتسويق نموذجه الأخضر في إنتاج الطاقة الكهربائية، المقبل من شمال إفريقيا.

قبل أعوام خلت، كانت هذه القرى، بحسب أهلها العارفين بخباياها، محطة “رواج” تزامنا مع بناء الورش، حيث تحققت فرص الشغل “المؤقت”. ويقول أحد شيوخ القبيلة الذي التقته “أخبار اليوم”: “لقد أنعموا علينا برواج لكنهم أوصلونا إلى مرحلة “الفطم””.

هوليود المغرب

ورزازات أو “هوليود المغرب”، تلك المدينة الساحرة التي يتحوَّل صيفها “ذو الشمس الحارقة” وشتاؤها البارد قارصًا، تتربع في الجنوب الشرقي لمدينة مراكش وتبعد عنها بأزيد من 200 كلم، وتبعد أيضًا بنحو 295 كلم عن مدينة الرشيدية وتستند هذه المدينة على جهة درعة ــ تافيلالت.

على سيرة أهلها البشوشين والبسطاء وأهلها القدماء، فإن المدينة بُنيت انطلاقا من عام 1920 حول ثكنة عسكرية أقامتها سلطات الحماية الفرنسية، لكن المدينة وجدت قبل ذلك قرى وواحات حول وادي درعة، وربما أنّ جغرافيتها وشمسها الساطعة، جلبت “أطماع” المؤسسات المالية الكبرى لتُقيم فيها مشروعا ضخما بحجم محطة ورزازات للطاقة الشمسية، فهي مدينة تتشكل جلها من آلاف القصبات التي شيدت لتحصن من المستعمرين وتشتهر ورزازات بتصوير أفلام سينمائية عالمية في نواحيها واستوديوهات المنشأة بها.

وبالعودة إلى محطة الطاقة الشمسية وعلاقتها بالمياه التي عوَّل سكان ورزازات على ري ما يأكلون من مزروعات منها، علاوة على مياه الشرب، فإنّ المحطة الشمسية الكبرى تسحب كميات هائلة من المياه المخزنة في سد منصور الذهبي بورزازات، لأغراض التنظيف والتبريد. وقد عانت هذه المنطقة شبه الصحراوية مؤخرًا من ندرة المياه، ووضعت تدابير لترشيد استهلاك المياه. وتعتمد الأراضي الزراعية في وادي درعة على مياه السد، التي تنساب أحيانًا لتملأ النهر الجاف.

مياه للتبريد

وفقا للسلطات، سوف يستخدم المشروع أقل من 01 في المائة من متوسط قدرة السد المائية، بينما يقول مصطفى سلام، مدير الموقع، إن إجمالي المياه التي يستخدمها المجمع لا تتعدى 0.5 في المائة من إجمالي المياه المختزنة في السد، وهي نسبه ضئيلة للغاية مقارنة بطاقة السد الاستيعابية.

غير أنّ المعطيات التي وصلت إليها “أخبار اليوم” وجدت أن الماء يُستهلك بكثرة مما جرى التصريح به، وعاينت “الجريدة” الصهاريج الواسعة المخصصة لنقل المياه إلى المشروع وسط المركب، والقنوات الضخمة لنقله من السد إلى المضخة المشيدة بجانب الطريق الرئيسة، حيث تجري إضافة (مواد غير معروفة إلى الماء، قبل أن تتم عملية نقله من المضخة المذكورة إلى المركب الضخم للطاقة الشمسية عبر القنوات).

وفي هذا السياق، توصلت “أخبار اليوم” إلى معطيات ذات صلة، حيث كانت مياه السد تستخدم لأغراض الري بمعدل 180 مليون متر مكعب سنويا، والمياه الصالحة للشرب بـ04 ملايين متر مكعب سنويا، في حين أن التبخر يستهلك 60 مليون متر مكعب كل عام. وقد تم مؤخرا تشييد سد “تويين” على الطريق المؤدية إلى أكادير عبر تازناخت، لتوفير مياه الشرب وتخفيف الضغط على سد المنصور الذهبي.

وفي خضم هذا التحقيق لم يدل مسؤولو المشروع في تصريحات متباينة لـ “أخبار اليوم” بأي وثيقة تثبت بيع أو شراء المياه من قبل وكالة (مازن). ما يفيد بأن الماء يُستهلك بالمجان، وكشفَ مصطفى السلام، مدير محطة نور ورزازات أنّ المركب يستخدم 2.2 مليون متر مكعب من المياه لتوليد البخار، إذ يجري جلبه من سد المنصور الذهبي.

من جهتها، قالت “أطاك ورزازات” إنه في حالة الجفاف الشامل، لن يبقى في السد إلا 54 مليون متر مكعب من الماء، الأمر الذي يجعل من استخدام محطة الطاقة الشمسية للماء إشكالية كبيرة ومثيرة للجدل. وفي هذا الإطار، يقول عضو فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في ورزازات إن الاعتماد على الماء لإقامة المحطة بمنطقة قاحلة بورزازات وجه آخر من أوجه تناقضات “التنمية المستدامة”.

أيّة تكنولوجيا “مستدامة” في المشروع؟

إن التكنولوجيا التي تم اختيارها لمحطة ورزازات، تستند على الطاقة الشمسية الحرارية المركزة. فهي تركز الإشعاع في المرايا وعلى نقطة مركزية، حيث يتم تسخين سائل لزج (زيت) وبفضل حرارة البخار المائي يتم تشغيل التوربين الذي يدور لينتج الكهرباء.

وخَلص التقييم البيئي الاجتماعي الذي أجرته الوكالة المغربية للطاقة الشمسية عام 2011، حصلت “أخبار اليوم” على نسخة منه إلى أن الحل الأكثر تأثيرا في المجالات البيئية و الاجتماعية المدروسة، هو تقنية الطاقة الشمسية المركزة بالأوعية المقعّرة. إذ يبدو أن الأسبقية في هذا الخيار خصصت لقدرة التخزين الحراري، بدلا من اعتبارات أخرى بشأن هذه التقنية.

وتُمكِّن هذه القدرة على التخزين وفقًا للمعطيات التي استقتها “أخبار اليوم” من ترشيد توليد الطاقة حتى تقترب من فترة ذروة الطلب، أي وقت المساء. إذ يجري استخدام الطاقة لتسخين منتج (مثل الأملاح المنصهرة) خلال النهار، ثم تسترجع الطاقة الحرارية لمواصلة تشغيل مولدات الطاقة بعد غروب الشمس.

واعتبر مهندس داخل المشروع، طلب عدم الكشف عن اسمه، أنّ المشكل الرئيس، الذي تطرحه هذه التقنية، هو كمية الماء الهائلة التي تستهلك خلال مرحلة التبريد. فعلى عكس التقنية الكهروضوئية، فإن تقنية الطاقة الشمسية المركزة تحتاج إلى التبريد. وتتم هذه العملية عن طريق مكثفات هوائية للتبريد (تبريد جاف) أو بواسطة استهلاك كمية هائلة من الماء (تبريد رطب). حيث ستعتمد المرحلة الأولى للمشروع على التبريد الرطب، و تقدر كمية المياه التي ستستهلك سنويا ما بين مليونين إلى 3 ملايين متر مكعب.

وعن إشكالية الماء المطروحة صرحَ مسؤولو المشروع، وفقًا لدراسة تقييم أصدرها البنك الدولي، أنّ استهلاك الماء سيقل بكثير في المرحلة الثانية للمشروع، فمن المُخطّطِ اعتماد التبريد الجاف خلالها، وتُقدر الكمية التي ستستهلك مابين 0.73 و 0.88 مليون متر مكعب.

أما التقنيات الكهروضوئية، فلا تتطلب الماء سوى لتنظيف الألواح الشمسية. لذا تستهلك من المياه نحو 200 مرة أقل من تقنية الطاقة الشمسية المركزة عند التبريد الرطب، و40 مرة أقل، مما تستهلكه الطاقة الشمسية المركزة من المياه عند التبريد الجاف.

الاستيلاء على أراض المزارعين الصغار

حصل هذا المشروع على العشرات من الهكتارات من الأراضي بناء على ما يُسمى بـ”حوار مجتمعي”، إذ إن ممثلين عن الأراضي السلالية عقدوا اتفاقا رسميا للبيع في يناير 2010، وتم الانتهاء من البيع في أكتوبر 2010 قُبيل زيارة الملك، في وقت لاحق لإعطاء الإنطلاق الرسمي للمشروع.

ولم يتم التنصيص في شروط البيع على تشاور جرى مع السكان المحليين، ويعود ذلك إلى العديد من القوانين التي تستخدم لتركيز ملكية الأراضي الجماعية في يد ممثل واحد للسكان، وقال أحد ملاك الأراضي بالمنطقة لـ”أخبار اليوم”: “غالبا ما يتم الاستيلاء على الأراض تحت تأثير وجهاء إقليميين أقوياء، لذلك كان المواطنون العاديون لا يعلمون ما كان يحدث عندما يتم الاستيلاء على مساحاتهم الأرضية”.

وفي أول اجتماع لدراسة الأثر البيئي للمشروع، عقد في نونبر 2010 في أحد الفنادق الفخمة بورزازات، حضره مسؤولون حكوميون وجمعيات تنموية قروية، ورغم حضورممثلي السكان المحليين أنفسهم، إلا أن هؤلاء مُنعوا من تقديم وجهات نظرهم بحسب عدد ممن حضروا الاجتماع.

وحاولت “أخبار اليوم” جمع أبرز الأثمنة التي بِيعت بها الأراضي، ويتعلق الأمر بثمن من 10 إلى 12 درهما للمتر الواحد، وأموال البيع هذه، التي لم يستفد منها ذووالحقوق، سوف تستخدم لتمويل المشاريع التنموية للمنطقة بأكملها، حتى أن الساكنة وجدت أن بيع أراضيها لم يكن بيعا على الإطلاق، بل مجرد نقل للأموال من وكالة حكومية إلى أخرى.

بِيعت الأرض إلى الوكالة المغربية للطاقة الشمسية (مازن). وهي شركة خاصة أُنشِئت باستخدام الأموال العامة في أكتوبر 2010 لغرض محدد، هو تنفيذ برنامج الطاقة الشمسية، أخذا بعين الاعتبار أن هذا النوع من الخصخصة في قطاع الطاقة المتجددة ليس جديدا، فمنذ 2005 أنشئت جمعية (ناريفا) الملكية التي نالت حصة الأسد في إنتاج طاقة الرياح بالبلد.

قاوم سكان ورزازات المحيطين بموقع مركب الطاقة الشمسية مصادرة أراضيهم، التي تعادل مساحتها العاصمة الرباط شساعة، عن طريق الشكاوى والرسائل إلى المسؤولين والاعتصامات، رغم أن ذلك تزامن مع صعود حركة 20 فبراير عام 2011. أكثر من ذلك، جرت محاكمة 06 شبان وسجنهم 06 أشهر في سجن ورزازات، وفقًا لمعطيات من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في ورزازات.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي