عادل بن حمزة يكتب: السياسة هي مسألة خطيرة جدا أن تُترك للسياسيين!

09 ديسمبر 2019 - 20:15

في الذكرى الخمسين لانتفاضة ماي 1968، أنجزت  جريدةلوموندالعريقة عددا خاصا بالذكرى تحت عنوان: “68، الأيام التي هزت فرنسا“.

لومونداعتبرت بشكل استفهامي انتفاضة ماي 1968 بأنها شكلت هزة للوعي الجماعي للفرنسيين، وأنها تعبير عن شباب فاقد لليوتوبيا والأمل، وكذلك، هي، أيضا، انتفاضة للمأجورين من موظفين وعمال ضدالاستغلال وضد مجتمع مجمد من قبل سلطة شاخت.

وكانت، كذلك، طموحا لإرضاء المتعة في حياة يومية يغلب عليها اللون الرمادي، وشكلت مطلبا ديمقراطيا لكي يتمكن كل مواطن؛ليس فقط، من التحدث، بل، وبالأساس، ضرورة الاستماع إليه.

لقد كانت باختصار ثورة لا تريد أن تستولي على السلطةبل كما قال المفكر والفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر،كانت توسيعا لمجال الممكنات

أحداث ماي 1968 لازالت تعتبر ملهمة عدد كبير من التمردات والانتفاضات الشعبية عبر العالم، ليس آخرها ما شهدته فرنسا نفسها قبل يومين من إضراب عام، احتجاجا على خطط الرئيس ماكرون لإصلاح نظام التقاعد..

بدأت الأحداث بإضرابات عمالية استمرت منذ نهاية 1967 إلى منتصف 1968، تمت مواجهة الحركة العمالية بحزم وعنف من قبل أجهزة الدولة، وعندما كان أرباب العمل والأجهزة الحكومية يعتقدون أن الطبقة العمالية قد تم إخضاعها، دخل على الخط طلبة الجامعات الذين كانوا ينطلقون من منطلقات إيديولوجية وسياسية أممية.

كان ديغول يقول: “لقد خلصت إلى استنتاج مفاده أن السياسة هي مسألة خطيرة جدا أن تترك للسياسيين“.

وكانت انتفاضة ماي 1968 تجسيدا على الأرضلقناعة ديغول تلكلم تنجح وصفة القمع مع الطلبة وأدى إغلاق جامعة باريس في الثالث من مارس من السنة عينها، إلى تأجيج الحركة الاحتجاجية التي تميزت بلجوء الطلبة إلى العنف في مواجهة قوات الأمن، من خلال نصب المتاريس ليلة التاسع والعاشر من ماي، إذ تم احتلال الحي اللاتيني واستعملت زجاجاتالمولتوف، وبذلك أصبحت الحركة الطلابية في طليعة الحركة الاحتجاجية وعمليا قائدتها.

فرضت أساليب الطلبة على قوات الأمن اللجوء إلى أقسى أشكال القمع، هذا القمع ولّد تعاظم التضامن والتعاطف مع حركة الطلاب، حيث قررت النقابات العمالية الدخول في إضرابات، ما جعلها تتحول إلى إضرابات لا محدودة، فضلا عن تنظيم مظاهرات ومسيرات يومية، وفقدت القيادات النقابية سلطتها على قواعدها.

وبذلك دخلت فرنسا حالة من العصيان المدني تطورت ككرة ثلج، وبدأت سلطة الدولة تتهاوى، إذ أصبحت كل القرارات التي تخص تموين باريس مثلا، بيد القيادات العمالية، بل سيطرت حركة العمال والطلبة على مدينةنانتبكاملها..

 جملةً، كانت فرنسا تسير إلى نقطة اللاعودة، لولا وجود رجل بحكمة ودهاء وخبرة ديغول، الذي دعا إلى انتخابات برلمانيةسابقة لأوانها، وبالتالي، وقف الأحداث.

هذه الانتخابات، التي نظمت شهر يونيو 1968، عززت نتائجها موقع اليمين الجمهوري على حساب اليسار، وبصفة خاصة الحزب الشيوعي الذي تحمل جزءا كبيرا من المسؤولية السياسية عن الأحداث.

ديغول كان رجل دولة كبير يملك كاريزما قوية واحتراما وسط الفرنسيين باختلاف توجهاتهم، بالنظر إلى دوره الوطني في تحرير فرنسا من النازية. إذ استطاع بخبرته وحكمته أن يمتص تداعيات أقوى حركة اجتماعية وسياسية شهدتها فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه بعد سنة واحدة من انتفاضة ماي كان مجبرا على التنحي من موقع رئاسة الجمهورية، وذلك عندما ربط الاستمرار في مهامه بتصويت الفرنسيين بالموافقة على مجموعة من الإصلاحات اقترحها.

خسر ديغول الاستفتاء، فبادر إلى تقديم استقالة من سطرين قال فيها: “أعلن توقفي عن ممارسة مهامي رئيسا للجمهورية. يصبح هذا القرار نافذا عند ظهر اليوم: 29 أبريل 1969″.

المسافة بين ديغول وماكرون شاسعة جدا بشكل لا يقارن، ديغول القائد والزعيم والمقاوم، وماكرون صنيعة المصارف ورجال الأعمال، لكن الثابت، هو هذا الإصرار الذي يُظهرهالفرنسيون كلما تم المساس بمكتسباتهم من طرف سياسيين، لذلك يصح فيهم ما قاله ديغول من أنه من الخطورة أن تُترك بيدهم إدارة السياسة..

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي