عاد الجدل ليشتعل مجددا حول التوقيت الصيفي وقرار الحكومة اعتماده طيلة أيام السنة، وهذه المرة من قلب المؤسسة التشريعية، بعدما اتهم مستشارون برلمانيون الساعة الإضافية GMT+1 في تنامي حوادث العنف “والكريساج” وتفاقم العنف السياسي والاقتصادي والعنف ببلدنا.
وجاءت هذه الصرخة الرافضة لإقرار حكومة العثماني ترسيم استمرار التّوقيت الصيفي على طولِ السنة، في سؤال تقدمت به المجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمجلس المستشارين، أول أمس الثلاثاء، عندما اعتبرت أن هذا القرار “غير المسؤول” هو مظهر من مظاهر انتهاك حق المغربى في حياة آمنة، كما تنص على ذلك المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب ودستور المملكة.
وشددت المستشارة ثريا لحرش، في معرض سؤالها على أن “الساعة الإضافية من بين مظاهر العنف الذي تمارسه الحكومة على المواطنين، فضلا عن كونها من بين الأسباب الكبيرة التي أدت إلى تفاقم الجريمة وتناميها في المغرب”، على اعتبار أن المواطنين يجدون أنفسهم مضطرين إلى الخروج في الظلام الدامس من أجل الذهاب إلى عملهم، والأمر نفسه بالنسبة للأطفال نحو مدارسهم، وهو ما يعرضهم لكل أنواع المخاطر في غياب الأمن”.
وأشارت المتحدثة إلى أن “السرقة” أو ما يصطلح عليه بـ”الكريساج” وما يترتب عليه من ضغط وتهديد بالسلاح الأبيض والسيوف والعصي وغيرها، ينشط بشكل كبير في الصباح الباكر بعد إقرار الساعة الإضافية، خاصة في ظل غياب الأمن في هذا التوقيت، وهو ما تتحمل الحكومة مسؤوليته بشكل مباشر”.
لحرش حذرت أيضا حكومة العثماني من تنامي ظاهرة انتحار المواطنين المغاربة، خصوصا في مدينة الشاون، داعية الحكومة إلى تحمل مسؤوليتها أمام هذا الوضع الاجتماعي “المفزع”، و”تفاقم العنف السياسي والاقتصادي والعنف ضد الرجال والنساء”، ما يستدعي استحضار سؤال “الحق في الحياة بدون عنف”، على حد تعبير المستشارة البرلمانية التي شددت على أن المغاربة يرغبون في عيش حياة جيدة وطبيعية.
من جانبه، نفى وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، المصطفى الرميد، وجود أي علاقة بين انتشار العنف في المغرب وتنامي هذه الظاهرة والساعة الإضافية، معتبرا أن “العكس هو الصحيح”.
وقال وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان في معرض رده على سؤال لحرش إن التوقيت الصيفي، وعلى عكس ما ورد في سؤالها، “ساهم في التقليل من الحوادث الإجرامية”، مشيرا إلى أن المؤسسات الأساسية في البلاد تحرص على حماية الحق في الحياة لجميع المغاربة.
بالمقابل، دعا المسؤول الحكومي المواطنين والأسر المغربية إلى وضع يدها في يد الدولة والمساهمة في محاربة العنف، من خلال تربية أبنائها على “الخصال الحميدة والأخلاق الكريمة والسلم والمعاملة بالحسنى، بالإضافة إلى دور المدرسة والمسجد والإعلام وكافة المؤسسات المعنية”.
وبخصوص موضوع الجريمة والعنف، يقول وزير الدولة: “لا ينبغي لا تهوينه ولا تهويله”، مشددا على أن “المغرب بلد آمن”، وهو ما تؤكده المعطيات الأمنية الأخيرة التي تقول إن “معدلات جرائم القتل في المغرب لا تتجاوز 2.1 بالنسبة لكل 100 ألف وفاة، في وقت يصل المعدل العالمي إلى 6.1 لكل مائة ألف وفاة”، مشيرا إلى أن “التصدي للجرائم ينبغي أن يكون عن طريق البحث عن حلول اقتصادية واجتماعية، ثم أمنيا وقضائيا وزجريا، وهو مسؤولية الجميع”.
وأمام تضارب الأقوال والمعطيات بين وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان من جهة والمجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمجلس المستشارين من جهة أخرى، يقول زكريا أكضيض، الباحث في علم الاجتماع، أن الساعة الإضافية غيرت نمط حياة المواطن المغربي وجعلته في حالة “قلق وغير استقرار نفسي”.
أكضيض في تصريحه لـ”أخبار اليوم”، تأسف على غياب الدراسات والمعطيات المترتبة عن اعتماد الساعة الإضافية طيلة السنة على المستوى الاجتماعي ومدى تجاوب المغاربة، في الوقت الذي تحضر فقط دراسة يتيمة قامت بها الوزارة المكلفة بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية والمرتبطة بالمردودية الاقتصادية فقط.
وقال الباحث في علم الاجتماع إن الساعة الإضافية “خلقت نوعا من التوتر للإنسان المغربي في نمط حياته، سواء على مستوى البرنامج اليومي أو الطقوس الدينية”، كما أنها (الساعة الإضافية) “خلقت نوعا من التناقض بين الإنسان المغربي ونمط الحياة، حيث بدأ المواطن يشعر بأن نمط حياته الاعتيادي حصلت فيه متغيرات حالت دون أن يستشعر انسجاما مع نفسه، سواء دينيا أو اجتماعيا”، مضيفا: “أذكر الجانب الديني على وجه الخصوص، على اعتبار أن الطقوس الدينية لها دورية طبيعية تتماشى مع حركة الكون، فالمغربي عندما يصلي الفجر في غير وقته المعتاد، وبالنسبة له نمط حياته غير مستقر وبعيد عما جرت عليه العادة”، أما على مستوى الجانب الاجتماعي، يسجل أكضيض، فإن “الاستيقاظ المبكر قبل شروق الشمس يخلق مشاكل متعددة، خاصة بالنسبة للأبناء والتحاقهم بالمدارس التعليمية”.
وبخصوص معطيات العنف وارتفاع نسبة الجريمة، يقول الباحث في علم الاجتماع إنها للأسف غير متوفرة بشكل رسمي، لكن ما يمكن تسجيله هو أن الخروج في هذه الأوقات المظلمة، “يحمل جانبا كبيرا من المخاطرة في ظل غياب الأمن خاصة في بعض المناطق، ويخلق تخوفا كبيرا عند الآباء، ما يجعلهم في وضع قلق تجاه الساعة”، على حد تعبيره.