سليمان الريسوني يكتب: أصدقاء الملك

18 يناير 2020 - 18:00

كتبت الصحافة المغربية والدولية، في المدة الأخيرة، مقالات كثيرة عن الإخوة أبو زعيتر، أصدقاء الملك. وكان لافتا أنتنشر منابر إعلامية مغربية، مهادنة للسلطوية وأخرى مداهنة لها، مقالات تنتقد فيها كيف تعامل واحد من الإخوة أبوزعيتر، برعونة، مع صحافي، حين انتزع منه هاتفه، بعدما التقط الصحافي صورا له وهو يركن سيارته في موقفخاص بسيارات الأمن بمراكش. كما انتقدت الصحافة استعمال أحد هؤلاء الإخوة صور الملك في ملاسناته مع مغنيراب، وانتقدت تحول والي العيون، بقدِّه وقديده، إلى مجرد سائق للإخوة أبو زعيتر. غير أن ما أهاج الصحافة المغربيةهو صمت أصدقاء الملك عن ممثل هندي، كان في ضيافتهم بمدينة العيون، وقف يقول، وهم إلى جانبه يضحكون، إنهيستمتع بقضاء وقته رفقة العاهرات المغربيات.

وإذا كانت الصحافة المغربية قد اكتفت بتعقب أخطاء الإخوة أبو زعيتر، فإن نظيرتها الأجنبية ذهبت إلى أبعد من ذلك،بالنبش والاستقصاء في ماضيهم الجنائي بأوروبا، وسمحت لنفسها بطرح سؤال ضمني، حول ما إذا كان الإخوةالثلاثة يستحقون صداقة ملك المغرب. وهذا نقاش آخر.

في المفهوم الحديث لرئيس الدولة، ملكا كان أم منتخبا، لا توجد قواعد صارمة ترسم لأصدقاء رئيس الدولة حدودايتحركون في إطارها، وأن يكونوا مثاليين، طالما أنهم يحترمون القانون في ظهورهم وخفائهم. لكن، في الآدابالسلطانية، والتي مازال الجالس على العرش في المغرب مطوقا بكثير منها، فإنه «لا يوجد للسلاطين أصدقاء»، كماأن السلطان «لا يمكن أن تحدثه بلغة حميمة»، حسب كتاب «الآداب السلطانية» المرجعي لعز الدين العلام.

إن تأرجح المؤسسة الملكية بين الأصالة والمعاصرة، وعدم قطعها مع الإرث السلطاني الذي أحياه الحسن الثاني،وأثقل به نفسه وخلَفه، هو ما جعل علاقات الملك محمد السادس وطريقة حياته ولباسهمحط اهتمام ونقاش واسعفي الصحافة الدولية المحكومة بكليشيهات تحركها للبحث عن الغرائبي في الحياة الخاصة للأسرة الملكية المغربيةوتهويله، وأيضا محط انشغال المغاربة الذين تربوا على التفكير من داخل البنية السلطانية التي لا تضع حدودا بينالملك رئيس الدولة والملك الإنسان. فإذا كان محمد السادس قد اختار الزواج بطريقة عصرية، وأظهر زوجته، وأعطاهاصفة شخصية عمومية.. فإنه لم يستطع الطلاق بالطريقة نفسها، حيث لم يصدر أي بلاغ رسمي في الموضوع،باستثناء ما صدر عن المحامي، إريك موريتي، بصيغة «زوجة الملك السابقة»، بعدما بلغ حديث الصحافة الدولية عنعلاقة الملك بأم ابنيه مستويات أظهرت أن السكوت، الرسمي، عنها، سيطلق لسان المغاربة، في تناقلها وتأويلها بلاحدود. وما يقال عن هذا الموضوع يمكن أن يقال، أيضا، عن صداقات الملك مع فؤاد عالي الهمة، أو مع الإخوة أبوزعيتر؛ حيث لم يألف المغاربة أن يروا لملوكهم أصدقاء.

إن قاعدة غير مكتوبة، لكنها متواضع عليها ضمنا، تقول إن شعبا يقبل أن يُقيِّد حاكموه حريته في التعبير والسلوك،يفرض، بدوره، قيوده عليهم. لذلك، نجد أن أكثر البلدان حرية، أقلها تدخلا في أذواق حكامها ومسؤوليها. كما أنهبقدر ما تراقب الشعوب، في الدول الديمقراطية، سياسة حكامها وتقيد سلطاتهم، تراقب الشعوب، في الدولالسلطوية، سلوك حكامها وأذواقهم وحرياتهم الفردية.

إن الملك محمد السادس، الذي ورث عن والده تقاليد سلطانية تقول إن الملك لا أصدقاء له، ورث، أيضا، أصدقاء جاءبهم الحسن الثاني إلى المدرسة المولوية، وهيأهم ليساعدوا خلفه في الحكم. ومما كان إدريس البصري يحكيه، بعدإبعاده عن أم الوزارات، أنه قال يوما للحسن الثاني، إن «الأصدقاء لا يحكمون دولة، بل ينظمون surprise partie». وإذا تأملنا مسارات ثلاثة من أبرز أصدقاء دراسة الملك محمد السادس، سنجد أنهم أكثر الشخصياتإثارة للجدل في عهده، ففؤاد عالي الهمة، الذي أخرج من القصر لإعادة هيكلة الحقل السياسي وتأسيس «حزبالدولة»، وجد معارضة عنيفة من الأحزاب، ورفضا واسعا من النخب المستقلة والحركات الاحتجاجية، فانسحب منالحياة الحزبية وعاد إلى القصر. ومنير الماجدي، الذي أخرج لإعادة هيكلة الحقل الاقتصادي، اصطدم بعدد منرجال الأعمال والصحافيين المستقلين الذين نحتوا مفهوم «المخزن الاقتصادي». وحسن أوريد الذي أريد منه أنيكون مثقف الملك ومؤرخ المملكة، ترك جمل السلطة بما حمل، وخرج يتحدث عن تعرضه للاحتقار، وكيف أقصيواستهزئ به بسبب أصوله الأمازيغية. وبدلا من أن يكتب التاريخ الرسمي، كتب نقيضه وخرج يتحدث عن «دسائسحاشية الحاكم». وها نحن، بعد 20 سنة، أمام surprise partie سياسية واقتصادية وإعلامية وثقافية، سمتهاالمزاجية والتجريب والارتجال.

باختصار، إن المغاربة الذين يرون ملكهم يقف بسيارته أمام الضوء الأحمر، لن يقبلوا من أصدقائه أن يحرقوا الكثيرمن الأضواء.6

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

ابن البلد منذ 4 سنوات

شكرا

التالي