المروري يكتب: للتاريخ.. توفيق بوعشرين ظُلم 7 مرات

24 يناير 2020 - 22:30

لقد طفح على السطح الإعلامي موضوع توفيق بوعشرين مجددا، بعدما وضعته منظمة العفو الدولية من ضمن معتقلي الرأي، وموقف رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الأستاذ عزيز غالي، الذي صرح بأنه جرى تضليل الرأي العام في قضيته، والمقال الأخير للصحافي القدير سليمان الريسوني تحت عنوان: «قضية توفيق بوعشرين.. أوقفوا المجزرة».. كلها موضوعات جعلتني أعود إلى قضيته التي أحفظها وأحفظ أدق تفاصيلها عن ظهر قلب لأوضح حجم وأشكال الظلم الذي تعرض له توفيق، ظلمٌ لم يتعرض له أحد قبله منذ عشرات السنين أو، ربما، أكثر…

1/ ظلم الدولة العميقة: 

إن افتتاحيات وتحاليل توفيق تميزت بالدقة في المعطيات، والعمق في التحليل، والجرأة في النقد والقوة في الكلمة، والبساطة في البلاغ.. حيث أصبح أسلوبه سهل القراءة والفهم، سريع الإقناع، الأمر الذي جعل جمهورا واسعا ومتنوعا يلتف حول افتتاحياته ويتبنى تحليلاته.. جرأته أوصلته إلى الحديث عن قضايا وشخصيات مشمولة بالحماية والرعاية الرسمية، فجلبت عليه عداوات من العيار الثقيل، من داخل الوطن وخارجه.. وبدل أن تصيخ الدولة السمع وتحكم العقل بحسن التعامل مع مقالاته التي تعكس صدقه ووطنيته وغيرته على بلاده، اعتبرت ذلك جرأة خطيرة تستدعي التدخل السريع من أجل كبح جِماح هذا الصحافي الجريء، وتحفيف منابع نهره الإعلامي وتوقيف جريانه السريع.. فكانت قضية الاتجار بالبشر الجريمة السريالية جاهزة، مع رداءة في الإخراج، كي تدمر حياته المهنية والأسرية، ووضعه الاعتباري داخل المجتمع والجسم الصحافي.

2/ ظلم النيابة العامة: 

لم يتوقف ذلك عند اختراع جريمة غريبة في الواقع والقانون، بل سارعت إلى اعتقاله خارجة القانون، وإصدار بلاغ في القنوات العمومية بذكر اسمه وصورته والتهم الموجهة إليه، في سابقة خطيرة، منتهكة بذلك قرينة البراءة، ومنعته من الوصول إلى أي شيء يؤكد به براءته، سواء أجهزته الخاصة أو وثائق وبيانات، وشخصيات… بل حتى حقه في المثول أمام قضاء التحقيق.. وهي إحدى أكبر ضمانات المحاكمة العادلة، بالنظر إلى خطورة التهم المتابع بها.

3/ ظلم الجهات الحقوقية الرسمية:

هذه الجهات لها من الخبراء القانونيين ما يجعلها تصل بسهولة إلى حقيقة الاعتقال التعسفي الذي ذهب ضحيته توفيق بوعشرين (دون النظر إلى جوهر القضية)، وبدل أن تقدم النصح القانوني وتمارس دورها الحقوقي، خاصة بعد صدور المقرر الأممي، الذي يؤكد حالة الاعتقال التعسفي، اختارت هذه الجهات الصمت وممارسة الحياد السلبي، وبذلك ساهمت في استمرار اعتقال بوعشرين تعسفيا وضاع عنه إثبات براءته بالطرق القانونية..

4/ ظلم الجسم الإعلامي والحقوقي:

حيث لعبت بعض المنابر الإعلامية أدوارا في منتهى الحقارة، ناسين أو متناسين أن هذا المتابع هو زميلهم في المهنة، الأمر الذي يستدعي – على الأقل – تناول الموضوع بموضوعية وحيادية واحترافية. إلا أن بعض هذه المنابر انضمت بشكل بئيس إلى حملة التشهير وتشويه سمعة بوعشرين والمساهمة في تضليل الرأي العام ونقل أخبار كاذبة عنه، وعن جريدته وأسرته.. 

5/ ظلم جزء من هيئة دفاع المصرحات:

وهنا أؤكد على جزء منهم، لأن العديد من محاميي المصرحات أبانوا عن اتزان والتزام ومسؤولية في مهمتهم ومهنتهم، ولكن للأسف الشديد، بعضا منهم أوغل سبا وشتما وكذبا وتشفيا في توفيق بوعشرين بشكل لم يشهده جسم المحاماة من قبل، الأمر الذي أثر على مسار القضية برمتها وأساء إليها، كما أساء إلى القضاء والدفاع والصحافة… وكأن هؤلاء لهم مهمة خاصة غير الدفاع عن المصرحات.. 

6/ ظلم بعض السياسيين والحقوقيين:

هؤلاء كانوا أسيري إيديولوجياتهم ومواقفهم السياسية، حيث اعتبره البعض كان يدافع عن حزب العدالة والتنمية وتجربة عبدالإله بنكيران، وبالتالي، لا يستحق أي تعاطف أو تضامن، وبعضهم كان له نصيب من نقده في افتتاحياته المشهورة، فكانت مناسبة للانتقام والتشفي، والمناضلون الأحرار ليست هذه أخلاقهم، ولو كانت هناك ضرورة لوضع مسافة موضوعية عن جوهر القضية، فمسألة الاعتقال التعسفي واضحة بما يكفي وتستدعي موقفا حقوقيا شجاعا وواضحا.

7/ ثُقل الحكم الذي حوكم به:

أعتقد أن الحكم جانب الصواب في الكثير من حيثياته، فلو قبلت المحكمة الاستماع إلى بعض الشهود، والاطلاع على محتويات ورسائل هاتفه الشخصي، أو أمرت بإحضار كل معطيات الاتصالات الهاتفية لتوفيق، وإجراء خبرة على الوجوه التي في الفيديوهات ومطابقتها مع الحقيقة، لتغيرت معطيات كثيرة، وتكونت قناعة أخرى غير تلك التي تؤدي إلى الإدانة بأحكام قاسية جدا.. جدا…

لم أكن، دائما، متفقا مع كل ما يكتب في افتتاحيته، بل كنت أعارضه في أحايين كثيرة، وقد قاطعت جريدته لسنة ونصف بسبب خلاف بيننا حول عدم نشر أحد ملفات السطو على العقارات بمدينة العيون، ولكن عندما أيقنت بعدالة قضيته رميت كل تلك الخلافات خلف ظهري، ولم أبق أسير خلاف سابق معه، وتفرغت للدفاع عنه، دفاعا حقوقيا وإنسانيا، لأنه مظلوم من جريمة الاتجار بالبشر والاغتصاب، ولم أتوان في ذلك.

الآن، توفيق بوعشرين في غياهب السجن، وحيدا مريضا، يعاني برودته ووحدته، وهو الذي كان قبل بضعة أشهر صاحب أشهر وأقوى افتتاحية.. لا يعاني السجن فحسب، بل خذلان الرفاق والأصحاب والزملاء، يعاني صمت الأحرار  (الذين كانوا من قبل كذلك)، وحياد الأقوياء (الذين كانوا من قبل كذلك)، وتآمر الأقزام، وتشفي الفاشلين…  لقد جمع عليه أعداء كثر بسبب جرأته وقدرته على الوصول إلى المعلومة وتحليلها بطريقة متميزة واستقطاب جمهور واسع من القراء، عداوات من الوزن الثقيل جدا، يصعب التخلص منها إلا بقوة فوق كل هذه القوى المتآمرة، قوة الحكمة والتعقل والفطنة… هي كلمة كتبتها للتاريخ، قد تُغضب البعض، وقد تسبب لي في عداوات مجانية من طرف البعض، وقد أخسر بسببها كثيرا، ولكن ضميري ومبادئي يحتمان عليّ أن أقولها.. والله خير حافظا، وهو على نصرهم لقدير. 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي